بقلم ميراز الجندي – كاتب ومحلل سياسي
لم تكن حدود لبنان دائمًا كما نعرفها اليوم. بل هي نتيجة لتراكمات تاريخية وسياسية، من العهد العثماني، مرورًا بالانتداب الفرنسي، وصولًا إلى اتفاقيات ترسيم الحدود. ومن أبرز القضايا العالقة في هذا السياق، قضية القرى السبع، ومساحة لبنان التاريخية، وحدوده الطبيعية الممتدة التي لم تكن يومًا محدودة بـ10,452 كم² فقط.
القرى السبع
تشمل القرى السبع: طربيخا، صلحا، المالكية، النبي يوشع، قدس، هونين، وآبل القمح.
كانت هذه القرى، الواقعة اليوم جنوب الحدود اللبنانية-الفلسطينية، مأهولة بأكثرية شيعية لبنانية، وارتبطت إداريًا بجنوب لبنان في العهد العثماني.
عند إعلان دولة لبنان الكبير عام 1920، اعتُبرت هذه القرى جزءًا من الكيان الجديد، وتم منح سكانها الجنسية اللبنانية بمرسوم عام 1921. إلا أن اتفاقية بوليه-نيوكومب بين فرنسا وبريطانيا في 1923، رسمت الحدود مجددًا بطريقة انتزعت فيها هذه القرى من لبنان وضُمت إلى فلسطين الانتدابية، خدمة لمصالح استعمارية وبريطانية صهيونية واضحة.
ورغم ذلك، بقيت روابط سكان القرى السبع قوية بلبنان، حيث لجأ أغلبهم إليه بعد نكبة 1948، وحصلوا لاحقًا على الجنسية اللبنانية بموجب مرسوم 1994.
المساحة قبل التقسيم
تشير خرائط ودراسات تاريخية إلى أن مساحة لبنان الجغرافية قبل الانتداب كانت تزيد على 12,000 كم²، وتشمل مناطق امتدت جنوبًا إلى القرى السبع، وشرقًا حتى أطراف حوران وغرب حماة، وشمالًا باتجاه لواء الإسكندرون.
ويُذكر أن مفاهيم “لبنان الكبير” كما طرحتها البطريركية المارونية في مؤتمر فرساي، كانت تشمل مناطق جغرافية أوسع مما بقي لاحقًا ضمن الدولة اللبنانية. كما أن بعض الوثائق الفرنسية كانت تُشير إلى حدود تشمل البقاع كاملًا، وأجزاء من سهول حمص وحماة، كامتداد تاريخي طبيعي للهوية الجبلية-المتوسطية اللبنانية.
الثوابت الوطنية
رغم محاولات التهويل التي تظهر من حين لآخر في بعض الصحف الإسرائيلية حول إعادة رسم خرائط المنطقة أو ضم مناطق لبنانية إلى مشاريع سياسية إقليمية، تبقى حدود لبنان المعترف بها دوليًا قائمة وثابتة. وهي حدود قائمة على واقع تاريخي موثق، لا على وهم سياسي أو تفويض خارجي.
لبنان ليس كيانًا مستعارًا، بل وطنٌ بُني على نضال طويل، وتضحيات، وجغرافيا لها جذورها العميقة في التاريخ.
القرى السبع، وملف الحدود اللبنانية، ليست مجرد صفحات من الماضي، بل محطات تؤكد أن أي مشروع لإعادة رسم خرائط المنطقة لا يمكن أن ينجح طالما أن اللبنانيين متمسكون بأرضهم، وبهويتهم، وبسيادتهم.
لبنان ليس مساحة تفاوض، بل قضية وطن وهوية وتاريخ غير قابل للتجزئة أو الابتلاع، مهما تبدلت موازين القوى.. انه الرسالة، رسالة السلام .