#الخيانة ليست حقًا ولا حرية : #المرأة الخائنة بين الأديان والقوانين وكرامة الإنسانية

بقلم د. عبد العزيز طارقجي
@dr_tarakji

صحافي استقصائي ومدافع عن حقوق الإنسان

الخيانة ليست فعلًا عابرًا يُبرّر بالمشاعر، ولا خيارًا من خيارات “الحرية الشخصية”، بل هي جريمة أخلاقية تمزق نسيج الثقة، وتطعن الكرامة في القلب، وتدمر كيانات إنسانية من أطفال وشركاء وأسر بأكملها. في زمن يختلط فيه الحق بالهوى، بات من الضروري إعادة التأكيد على أن الخيانة – وخاصة من المرأة في دورها كأم وزوجة – ليست تعبيرًا عن التحرر، بل عن سقوط القيم.

الخيانة في ضوء الأديان السماوية

الإسلام، تحريم واضح وتشنيع شديد

الإسلام أدان الخيانة الزوجية بأشد العبارات. فقد وصف الله الخيانة بأنها من صفات المنافقين، وجعل الزنا من الكبائر. قال تعالى: “ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلا” (الإسراء: 32)

كما شدد النبي ﷺ على أن أعظم الأمانات هي أمانة الفراش، ومن يخونها فقد خان الله ورسوله.

في الشريعة، المرأة المتزوجة التي تزني تُعامل كخائنة للعهد، مفرطة في أقدس روابط الحياة. وقد عُدّ هذا الفعل جريمة موجبة للحد، وهو ما يؤكد خطورته على استقرار المجتمع والأسرة.

المسيحية، خيانة العهد والزنا جريمة في حق الرب

المسيحية تعتبر الزواج عهدًا مقدسًا بين رجل وامرأة أمام الله. والإنجيل يدين الزنا بوضوح: “وأما أنا فأقول لكم: إن من نظر إلى امرأة ليشتهيها فقد زنى بها في قلبه” (متى 5:28)

المرأة الخائنة في المسيحية لا تنتهك فقط عهدها الزوجي، بل تدنّس عهدها مع الرب، وتقوّض قدسية الأسرة.

اليهودية، خيانة المرأة محرّمة ومُدانة

في التوراة، الزنا يُعتبر “نجاسة” يجب التخلص منها. ففي سفر اللاويين (20:10): “إذا زنى رجل مع امرأة رجل آخر، يُقتل الزاني والزانية معًا”.

الخيانة في ميزان الأخلاق والإنسانية

الخيانة لا تحتاج إلى ديانة لتُدان. فهي طعن في الثقة، وهدم لمقدسات الحب والوفاء، وخيانة للأمانة الأسرية. الطفل الذي يرى أمه تخون، لا يفقد الثقة بها فقط، بل بالعالم بأسره.

في ضمير الإنسانية، الخيانة ليست فعلًا محايدًا، بل تلوّثٌ عاطفيٌ وجرحٌ نفسيٌ قد لا يندمل.

ولكن، هل يُبرّر الخطأ بالخطأ؟ المرأة الخائنة كرد فعل… إسقاط أخلاقي مزدوج حتى إن كانت المرأة قد تعرّضت للخيانة من زوجها – وهو فعل مدان – فلا يحق لها أن تبادر بالمثل، لأن ذلك لا يُعد استردادًا للكرامة، بل سقوطًا في نفس الوحل الأخلاقي.

المرأة ليست فقط شريكة، بل أمٌ وراعيةٌ ومستودع أمانٍ لأطفالها، وأي انحدار أخلاقي منها سينعكس على استقرار عائلتها وسمعتها في المجتمع.

الخيانة لا تلطّخ فقط من يرتكبها، بل تُسقط هيبة الأسرة، وتجرح الأبناء، وتجعل المرأة – مهما كانت المبررات – شريكة في الانهيار الأخلاقي بدل أن تكون صانعة للثبات.

الأبعاد القانونية وحقوق المرأة ومسؤولياتها

رغم أن بعض القوانين لا تجرّم الخيانة صراحة، فإنها تؤخذ بعين الاعتبار في الكثير من الأحكام المتعلقة بالحضانة، والطلاق، وتقسيم الأملاك.

أمثلة قانونية

– في القانون الفرنسي، تُستخدم الخيانة كسبب مشروع للطلاق، وقد تؤثر على قرارات حضانة الأطفال.
– في القانون المصري (المادة 274)، تُعاقب الزوجة الزانية بالحبس.
– في ولايات أمريكية والهند، تُعد الخيانة خرقًا للواجب الزوجي.

الاتفاقيات الدولية

– اتفاقية حقوق الطفل (CRC): تؤكد على حق الطفل في بيئة أسرية آمنة.
– اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (CEDAW): تركز على مسؤولية المرأة في الأسرة.

هل الخيانة حرية؟

لا. فالحرية تقف عند حدود الكرامة الإنسانية. الخيانة تمثل اعتداءً معنويًا على حقوق الشريك، واغتيالًا لثقة الأطفال في أمانهم الأسري.

في عصر يُسوّق فيه للانحلال باسم الحرية، علينا أن نرفع الصوت عاليًا، الخيانة – وخاصة من المرأة – ليست بطولة نسوية ولا حرية شخصية، بل هي خيانة للأمومة، للشراكة، وللإنسانية.

من خانت شريكها، خانت أبنائها، وخانت ثقة الله بها كامرأة مُكرّمة، ذات دور في بناء المجتمع لا في هدمه.


* باحث في الانتهاكات الدولية لحقوق الإنسان – صحافي استقصائي ومتخصص في قضايا مكافحة الإرهاب

اخترنا لك