من قلب الريف إلى صناع القرار… نداء كل #بلدية لبنانية
–
بقلم كوثر شيا
@kchaya
خلال مشاركتي في مؤتمر “المسؤولية المجتمعية: مدخل نحو مدن مستدامة وبيئة خضراء” في جامعة البلمند، شعرت بالحاجة الماسة لكتابة هذا النص، ليس فقط تعقيبًا على ما طُرح، بل كنداء موجّه من الضيعة، من الأرض، من الواقع الذي لا يصل إليه صوت المؤتمرات.
لقد استمعنا إلى عروض جميلة، ومبادرات واعدة، وتوصيات طموحة. لكن بين الورق والواقع في فجوة كبيرة، والضحية الأساسية فيها هي البلديات والمجتمعات المحلية التي تُحمَّل عبء إدارة النفايات من دون أدوات، ولا حرية قرار، ولا دعم فعلي.
البلديات مكبّلة بسيتي بلو… والمال يُهدر يوميًا
الواقع اليوم يقول إن البلديات اللبنانية ملزَمة بالتعاقد مع شركة سيتي بلو بموجب تعليمات وزارة الداخلية، أي أنها لا تملك الحق باتخاذ قرار مستقل في إدارة ملف النفايات، حتى لو توفرت لديها مبادرات بديلة أو مشاريع بيئية مجتمعية.
وهنا الكارثة الأكبر، شركة سيتي بلو تأتي يوميًا إلى الضيعة، تلمّ الزبالة، وتقبض ما يقارب ألف دولار عن كل يوم عمل. يعني بالمحصّلة، ملايين الليرات تُدفع من صناديق البلديات المنهكة، لمجرد نقل النفايات كما هي، من دون أي فرز، أو إعادة تدوير، أو عائد بيئي أو اقتصادي على المجتمع.
النفايات مورد… وليست عبئًا
ما لا يقال بصوت عالٍ هو أن النفايات لو فُرِزت من المصدر، لكانت اليوم مصدرًا مهمًا للدخل المحلي.
البلاستيك، الكرتون، العضوي… كلها مواد قابلة للبيع أو التصنيع أو التسميد.
لكن لا الفرز موجود، ولا المستوعبات موزّعة، ولا الدولة تتبنّى خطة وطنية واضحة، ولا الشركة المتعاقدة تتحمّل أي مسؤولية بنيوية.
وفي المقابل، الجمعيات الأهلية والمجتمع المدني عم يشتغلوا بأدنى الإمكانيات، وبأعلى درجات الأمل، ليبدأوا بالفرز من نقطة الصفر، من البيوت، من المدارس، من الضمير. لكن بدون شراكة من الدولة، وبدون تجاوب من الشركات، بتبقى هالمبادرات معلّقة.
المطلوب اليوم
مشروع الفرز من المصدر مش حلم بيئي، هو حاجة وطنية:
1. نطالب وزارة الداخلية بإعادة النظر بالتعاقدات الإلزامية المفروضة على البلديات، وإعطائها حرية التصرف ضمن خطة بيئية وطنية.
2. نطالب وزارة البيئة بإطلاق خطة فعلية لتطبيق الفرز من المصدر، تبدأ من المنازل، وتُلزم الشركات الكبرى، وعلى رأسها سيتي بلو، بتوزيع مستوعبات مخصصة وتطبيق مراحل الفرز.
3. نطالب بسياسات تحوّل النفايات من عبء إلى مورد، يخلق دخلًا للبلديات بدل أن يستنزف صناديقها، ويمنح المجتمعات دورًا فعّالًا في بناء مستقبل مستدام.
من قلب الضيعة، بصوت الناس
“كل يوم بتيجي سيتي بلو عالضيعة، بتلمّ الزبالة، وبتاخد ألف دولار… والمشكلة مش فيها، المشكلة بالإهمال الرسمي يللي حوّل الزبالة من ثروة طبيعية لمصدر استنزاف يومي من جيب المواطن.
الزبالة مش عبء، الزبالة مورد إذا عرفنا كيف نفرزها ونستثمرها.
وبدل ما ملايين الدولارات تروح إلى جيبة الشركات الخاصة، فينا نستخدمها لننمّي الضيعة، نخلق فرص عمل، ونرجّع للمواطن جزء من كرامته وحقوقه.
صار وقت نفرز من المصدر… ووقت الدولة تتحرّك.”