سيناريو “برّاك” المستحيل

بقلم مروان الأمين

رغم تراجع المبعوث الأميركي توم برّاك عن تصريحه المثير للجدل، الذي هدّد فيه باحتمال “إلحاق لبنان بسوريا”، إلّا أنّ الصدى الذي خلّفه كلامه لا يزال يتردّد في الأوساط السياسية والإعلامية اللبنانية.

من الواضح أنّ هناك شبه إجماع لبناني على رفض هذا الطرح. لكن ماذا عن الطرف الآخر، أي الحكم السوري الجديد؟

في مسار سيطرة الأسد على لبنان

إنّ سيطرة الأسد على لبنان لم تكن نتاج لحظة سياسية عابرة، بل جاءت تتويجًا لمسار طويل من الانهيارات اللبنانية والتطوّرات الإقليميّة. فقد مهّدت الحرب الأهلية، التي كان للأسد دور رئيسي في رسم اتجاهاتها، الطريق أمام سيطرته على لبنان، بعد أن أدّت إلى انهيار الدولة اللبنانية ومؤسّساتها بالكامل. كما ساهمت التحوّلات الإقليمية حينها، ولا سيّما غزو صدام حسين للكويت، في تعزيز موقع الأسد، الذي شارك إلى جانب الأميركيين في حرب تحرير الكويت، ما منحه غطاءً دوليًّا لتكريس نفوذه في لبنان.

بعد سيطرته على لبنان، ومن أجل ترسيخ هذه السيطرة وتثبيت نظامه في سوريا، عمد إلى نشر التوتّرات والنزاعات من خلال الحروب المتكرّرة مع إسرائيل عبر الجبهة الجنوبية، والاغتيالات السياسية، والاضطرابات الأمنية والسياسية.

اليوم، كلّ تلك الظروف غائبة. فالوضع اللبناني، رغم أزماته، لا يشبه الانهيار الكامل الذي شهده في بداية التسعينات، كما أنّ البيئة الإقليمية تغيّرت جذريًّا. فبدلًا من مناخ الصراعات الذي ساد عقودًا، تشهد المنطقة تحوّلات واضحة نحو منطق جديد يقوم على الاستقرار، وتصفير الأزمات، والتكامل الاقتصادي بين دولها.

في العقيدة

لم تعد العقيدة السياسية للنظام السوري الجديد، تستند إلى الأيديولوجيا البعثية الوحدوية التي كان يحملها الرئيس حافظ الأسد. إذ كان الأخير يؤمن بوحدة الأمة العربية، ويتعامل مع لبنان كـ “قُطر” من أقطار الأمّة، بينما يعتمد النظام الحالي مقاربة معاكسة، تتقدّم فيها المصلحة الوطنية والدور الاقتصادي على الأيديولوجيا القومية والطموحات التوسعيّة العابرة للحدود.

في الصراع مع إسرائيل، شكّل شعار “المواجهة مع إسرائيل” ركيزة أساسية لوجود نظام الأسد. ومن أجل بقائه كان يحتاج إلى جبهة مفتوحة معها. بما أنّه كان من المتعذّر تحقيق ذلك عبر الجولان، نظرًا لما يترتّب عليه من تبعات باهظة على النظام، شكّلت جبهة جنوب لبنان بديلًا استراتيجيًّا للحفاظ على علّة وجود النظام وتبرير استمراره.

مع النظام السوري الجديد تغيّرت المعادلات. فلم يعد يرى في الصراع مع إسرائيل محورًا لبقائه. بل على العكس، أصبح الانفتاح على إنهاء حالة العداء معها جزءًا من مقاربته للاستقرار الداخلي ولتعزيز دوره الاقتصادي في المنطقة.

في الخلاصة، إنّ التناقض واضح في مقاربة الحفاظ على النظام في سوريا بين حافظ الأسد وأحمد الشرع. بينما كان الأول يجد في السيطرة على لبنان، عبر إدارة “فوضى مُدوزنة” في لبنان والمنطقة، وفي استمرار حالة العداء مع إسرائيل، سببًا رئيسيًّا لبقاء نظامه، يجد الثاني أنّ قيام نظامه يمرّ عبر إقامة علاقات إيجابية مع دول المنطقة ومنها لبنان، وعبر إنهاء حالة العداء مع إسرائيل، والبحث عن دور اقتصادي لسوريا في المنطقة.

في ضوء ذلك، فإنّ إعادة طرح سيناريو “إلحاق لبنان بسوريا” لا يعبّر فقط عن مقاربة غير واقعيّة، بل يمثّل طرحًا تفجيريًّا يتناقض تمامًا مع روح المرحلة الجديدة في المنطقة، التي تتّجه بثبات نحو التعاون لا الصدام، التكامل لا الهيمنة، ونحو السلام بعد أن أنهكت الحروب دولها وشعوبها طوال عقود.

اخترنا لك