بقلم ماهر أبو شقرا
@MShackra
ليس هناك ما يكفي من الاطمئنان حيال السلطة السورية الجديدة. فتاريخ الرئيس السوري أحمد الشرع يجعل تحقيق هذا الاطمئنان أكثر صعوبة. ولا يقتصر غياب الاطمئنان على أهالي السويداء والساحل وشمال شرق سوريا ووادي النصارى وسائر المسيحيين المنتشرين في البلاد، بل يشمل أيضاً السنّة المعتدلين والعلمانيين، وكثيراً من سكان المدن السورية الكبرى.
ويعمّق هذا التوجّس وجود الميليشيات الدينية التكفيرية، رفاق سلاح الشرع الذين لا يزالون يهيمنون على الشارع السوري ويقومون بترهيب الأهالي. إن حصر السلاح بيد الدولة أمر لا بدّ منه. غير أنه، بخلاف ما هو حاصل في لبنان، لا يوجد في سوريا حتى الآن دولة فعليّة يمكن أن تسلّم لها أسلحة فصائل السويداء وقسد. ولا توجد ضمانات، لا سيما بعد أن مرّت مجازر الساحل مرور الكرام. على السلطة السورية أن تبدأ أولاً بحصر سلاح تلك الفصائل الداعشيّة. عندها فقط قد يتشجع أهل السويداء والساحل وقسد على تسليم سلاحهم.
إنّ الفصائل الداعشيّة هي التي تسيطر على سوريا اليوم. وهي لا تزال تعيش نشوة الانتصار على نظام الأسد، وتشعر بفائض في القوة، فتستبيح الحرمات وتنتهك الكرامات. والخشية أن تطول نشوة الانتصار تلك، فتحرق سوريا، ثم تمتدّ إلى لبنان. إنّ عدم اجتثاث الداعشية من جذورها يعني انتحاراً بطيئاً لسوريا. وننتظر من الشعب السوري استكمال ثورته واجتثاث هذه الداعشية.
ولأنّ الزمن قد يطول إلى أن يدرك السوريون خطر هيمنة تلك الفصائل على سوريا، وإلى حين يقومون باجتثاثها كما اجتثوا البعث ونظامه، فإنّ الخيار الفيدرالي يبقى الحلّ الأنسب لسوريا اليوم، حفاظاً على وحدة البلاد وتعدديتها وبقائها، على أن يكون ذلك ضمن نظام تديره دولة مدنية قويّة ومحايدة إزاء جميع الطوائف والديانات في دمشق. فهذه الصيغة كفيلة بتحقيق الاستقرار في سوريا. واستقرار سوريا ضروريّ جدّاً للبنان.
أما الإقليم فسوف لن تستقرّ أحواله قريباً. وهذا الواقع يفرض علينا تحديد أولوياتنا في لبنان، من أجل تحصين البلد وتعزيز تماسك المجتمع. الأولويات اليوم هي حماية الدولة ومؤسساتها، الشروع بإصلاحات مالية وإدارية جذرية، حصر سلاح المخيمات، وتفكيك الميليشيا الدينية التي يديرها حزب الله والتي تهدّد وحدة المجتمع اللبناني.
كما لا بدّ من تعزيز الانتماء للأمّة اللبنانية، وتقديمه على أي انتماء آخر، والانتقال بلبنان إلى نظام سياسي يعكس هوية هذه الأمة. نظام يقوم على ثلاثة أسس: اللامركزية المناطقية، ووحدة المجتمع تحت قوانين ومحاكم مدنية شاملة، وإرساء دولة اجتماعية قوية راعية للمواطن والمجتمع.