لبنان : أرض القداسة والسلام في مواجهة مشاريع التقسيم

بقلم كوثر شيا

لبنان ليس مجرد 10,452 كيلومتر مربع من الأرض، بل هو قلبٌ نابض بالتاريخ، والإيمان، والصراع الكوني على الأرض المقدسة. هذه الأرض، التي تحدث عنها الإنجيل والتوراة، والتي شهدت معجزات المسيح ومواقع صراعه مع الشياطين، هي اليوم في صلب مشاريع جيوسياسية تهدف إلى إعادة تشكيل المنطقة.

لبنان في الكتاب المقدس والتاريخ

منذ أكثر من 1935 سنة، كتب إنجيل متى (١٥: ٢١-٢٨) عن مرور السيد المسيح بصور وصيدا، حيث شفى ابنة المرأة الكنعانية، الجدّة الروحية للفينيقيين واللبنانيين. هذه الأرض، التي حملت الأسماء نفسها منذ آلاف السنين، هي أرضٌ اختارها الله منذ بداية الدهر.

في قانا، صنع المسيح أولى معجزاته، وعلى تلة الهرماس، عندما عطش وهو في طريقه من مرجعيون إلى كوكبا، ضرب الأرض بعصاه فانفجرت منها المياه. وفي مغدوشة، حيث توزع الصلاة والبخور، وقفت العذراء تنتظر ابنها وهو يبشر في القرى المجاورة.

حتى عندما جرّب الشيطان المسيح، كان ذلك في جبل الأربعين قرب أريحا بفلسطين. لكن اليوم، قد يعيد التاريخ نفسه، وتعود الشياطين لتجرب المسيح مرة أخرى، ولكن هذه المرة في جبل الأربعين بالضنية، حيث لجأ إليه 40 راهبًا قديسًا هربًا من بطش الإمبراطور يوليانوس. هذه الأرض المقدسة لن يدنسها أحد، لأنها منارة إيمان تقف في وجه كل من يحاول تشويه تاريخها.

أرض الفينيقيين: من صيدا إلى جبيل وطرابلس

في صيدا، لا تزال آثار الحضارة الفينيقية تتحدث بلغة المجد. معبد أشمون، الإله الشفاء، يروي قصة حضارة متقدمة في الطب والروحانية. هناك، بين حجارة المعبد ونهر الأولي، كان الناس يأتون ليطلبوا الشفاء، ويقدّموا النذور، ويغتسلوا في الماء المقدس.

وفي جبيل، أقدم مدينة مأهولة في التاريخ، كُتبت أولى الحروف الأبجدية التي غيّرت وجه البشرية، وانطلقت السفن الفينيقية نحو الغرب حاملة العلم، والتجارة، والرسالة الروحية للبنان. جبيل لم تكن مجرد مدينة، بل كانت سفيرة حضارة.

أما طرابلس، فعلى الرغم من تهميشها المزمن، فهي مدينة العقول النيرة، والعلماء، والمصلحين. من مدرستها الفقهية إلى أسواقها العتيقة، من نهر أبو علي إلى القلعة، هي مدينة حافظت على هويتها رغم الجراح، وبقيت تشع أملًا وحكمة.

وادي الحرير: ممرّ الجمال المقدّس

من قلب وادي بشري إلى البقاع، ينبثق وادي الحرير كتحفة طبيعية وروحية. يُقال إن هذا الوادي كان ممرًا للفينيقيين إلى المعابد العليا، حيث يقيمون طقوس الصلاة والتأمل، بعيدًا عن أعين الطامعين. الوادي لا يزال شاهدًا على علاقة الإنسان بالطبيعة كجزء من علاقته بالله.
كان طريق القوافل بين الشرق والغرب تحمل البخور والزيوت وأول تجارة في عالم الحضارة البشرية.

بعلبك: حصن لبنان المقدس وأسرار العمالقة

بعلبك، بمنصتها العملاقة وأحجارها الضخمة التي تزن أكثر من 1000 طن، تطرح سؤالًا كبيرًا: من بنى هذه الآثار؟ الروايات المحلية تتحدث عن أن قايين بنى المدينة بعد الطوفان، وأن العمالقة أعادوا تشييدها في عصر نمرود. بينما يعزوها البعض إلى الفينيقيين، تبقى الحقيقة أن هذه الأحجار تتحدى التفسيرات التقليدية.

الأساطير تتحدث عن “الجبابرة” و”التيتان” الذين ساعدوا في بناء هذه الصروح، بينما تشير بعض النظريات إلى وجود تقنيات قديمة مفقودة استخدمت لرفع هذه الكتل الحجرية. بغض النظر عن التفسير، تبقى بعلبك شاهدًا على عظمة حضارة قديمة، ربما كانت تملك معرفة متقدمة فقدتها الأجيال اللاحقة.

المشاريع الجيوسياسية: “ممر داوود” وتقسيم سوريا

لبنان ليس وحده في مرمى المشاريع التقسيمية. ففي سوريا، تُعدّ السويداء نقطة ارتكاز في مشروع “ممر داوود”، الذي تريد إسرائيل من خلاله ربط الجولان المحتل بالخليج عبر درعا والسويداء وصولاً إلى التنف، ومن هناك إلى المناطق الكردية في العراق وتركيا. هذا الممر سيجعل إسرائيل مركزًا لطرق التجارة بين الخليج وأوروبا، متجاوزًا قناة السويس ومهددًا مشروع “طريق الحرير” الصيني.

لماذا السويداء؟ لأنها العقدة الأخيرة قبل الوصول إلى المناطق الشرقية حيث الوجود الأمريكي والكردي. المشكلة تكمن في أن وجود السنة بالقرب من هذا الممر يمثل قلقًا لإسرائيل، التي تخشى نشوء مقاومة مستقبلية. ما يحدث في السويداء ليس مجرد أزمة داخلية، بل هو جزء من مشروع كبير لإعادة رسم خريطة النفوذ في المنطقة.

القدس والأرض المقدسة: أرض السلام أم أرض الصراع؟

الأرض المقدسة، من لبنان إلى فلسطين، هي أرضٌ اختارها الله لتكون منارةً للإيمان. لكن اليوم، تحولت إلى ساحة صراع بين مشاريع التقسيم والهيمنة. بدلًا من أن تكون أرضًا للسلام والمحبة، أصبحت ساحة حرب بفعل الأجندات الخارجية.

رسالة إلى العالم: لا للحرب، نعم للسلام التاريخي

حان الوقت لأن نعيد للأرض المقدسة دورها الحقيقي كأرض سلام ومحبة، لا كساحة صراع. لبنان، وسوريا، وفلسطين، هي أرضٌ كتب عليها أن تكون منارةً للعالم، وليس ساحةً للمؤامرات.

كلمة أخيرة، سألوا رفات القديسين والمشايخ. سألوا نقط الدم التي تحولت عبر السنين إلى تراب مقدس، مغمّس بتضحيات كل لبناني مخلص. هذا البلد سيبقى كما عرفناه، وسنحارب من أجل أن يظلّ كما أحببناه منارة الشرق.

اخترنا لك