على هذه الأرض ما يستبقي الشقاء

بقلم د. علي خليفة

لم ينتهِ نظام البعث البائد في سوريا بعد انقضاء الولاية الدستورية للشبل ابن أبيه الأسد، ولا نتيجة انقلاب مزاج ما يفوق الـ 99 % من الذين كانوا يهبونه الروح والدم، على حدّ الزعم، وأصواتهم في صناديق الاقتراع… ولم يستعجل أبو محمد الجولاني للحدّ من إحفاء شاربيه وإعفاء لحيته لارتداء بزّة الحداثة وتقلُّد مقاليد سلطة لم تعرف يومًا التداول بالطرق السلمية.

بالسياسة، دقّت ساعة سقوط ممرّ الموت وأموال الكبتاغون من طهران عبر دمشق إلى دولة “حزب الله” القائمة على جثة الدولة اللبنانية وأدوارها في الدفاع والأمن والاقتصاد والمجتمع. واستجاب القدر السياسي أخيرًا لإرادة الشعب السوري بالحياة ولإرادة الشعب اللبناني بالحرية.

لكن الديكتاتوريات لا ترحل من دون ندوب عميقة وجروح مثخنة. يدٌ غليظة قد تلزم بعد ديكتاتورية بائدة. لا داعيَ للمفاضلة ولا للوقوف بوجه تشكّل مشهد جديد في المنطقة. والقراءة السياسية للأحداث تفرض نفسها على سواها. ومسار الدولة الوطنية في سوريا، على الرغم من تشظياته، أفضل من التقسيم الذي قد يعيدنا أمام مشروع النفوذ الإيراني، إلى المربّع الأول. الديكتاتورية لا تُنشئ دولةً في المجتمع، بل تقوم على العنف وتثبّت سلطتها على الغلبة.

بالبراميل المتفجرة قتل بشار الأسد شعبه… وكان “حزب الله” شريكه بالجريمة، كما في لبنان كذلك في سوريا وبالعكس… وما تبقى من حشوات البراميل المستقدمة إلى مرفأ بيروت، انفجر بسكان العاصمة وأحيائها…

لطالما انتقم النظام السوري البائد من السنّة، وأشاع زورًا أنّه ضامن للأقليات العلوية والدرزية والمرشدية والمسيحية، في حين اغتال “حزب الله” في لبنان قيادات السنّة واحتلّ أملاكاً للمسيحيين وأوهم الشيعة أنّه منقذهم من الحرمان والتهميش وأنّه مُحْيي أمرهم وذكرهم وهو يؤبّد نكباتهم ويرميهم مرارًا في التهلكة.

على هذه الأرض، جبال من الجماجم وأنهار من الدماء وأحقاد ممتدّة كالجذور في تربة الخوف والقلق والاضطهاد. سنحتاج لطريق آلام قبل أن نشهد لقيامة الدولة الحديثة في مجتمعاتنا، ونتصالح مع فكرتها، أفرادًا وجماعات.

فتكون للأفراد حقوق المواطنة وتكون للجماعات ضمانات تصون ثقافاتها. ولا يجدر أن تقوم الأنظمة السياسية والاجتماعية على الدين، بحيث تُنتقص العدالة وتغيب المساواة في الحقوق… الدين خيار فردي وغير مُلزم، ولا يحمل أي مشروع سياسي أو اجتماعي بديل عن مشروع الدولة. والعقائد الإيمانية تصورات وتمثلات، لا حقائق مطلقة. بناءً عليه، نقول إن على هذه الأرض ما يستحقّ الحياة… أو على العكس، ما يستبقي الشقاء.

اخترنا لك