فرّق تَسُد… حكاية الكيس التي تُشبه أوطاننا

بقلم خلود وتار قاسم

يروى أنّ رجلاً استقلّ القطار وجلس بجانب فلاحٍ مُسنّ، وكان بين قدمي الفلاح كيسٌ من الكتان يتحرّك من حين لآخر بشكلٍ مثير للريبة.

لاحظ الرجل أنّ الفلاح لا يكفّ عن تقليب الكيس كل بضع دقائق، يحرّكه، يخلط ما بداخله، ثم يُثبته بإحكام ويبتسم وكأنّه يُنجز أمراً عظيماً.

دفع الفضول الرجل لسؤاله، ما الذي يوجد داخل هذا الكيس؟ ولماذا تُحرّكه بهذه الطريقة كل ربع ساعة؟

فأجابه الفلاح بهدوء، فيه جرذان. أُبقيها في حالة شجار مستمر. إن تركتها ترتاح، سيألف كلّ منها مكانه، سيتوقّف عن الخوف، وسيتفرّغ للتفكير في طريقة للهروب من الكيس. سيقرضونه، يفتحون ثغرة، ويهربون. وأنا أحتاجهم، لا أريد أن أخسرهم. لذلك، أُقلّبهم، أزرع بينهم الشكّ، الخوف، وربما الكراهية… فينشغلون ببعضهم وينسون أنّ عدوّهم هو الكيس ذاته… وأنا أصل بسلام إلى وجهتي.

أليست هذه حكايتنا نحن؟ كلّما بدأنا نخرج من أزمة، يُحرّك أحدهم الكيس. تتجدّد الخلافات بين طوائفنا، بين أحيائنا، وحتى داخل بيوتنا. تُزرع الفتن بصيغة “حقوق”، وتُغذّى الكراهية باسم “الاختلاف”. ويُعاد إنتاج خطاب التخوين والتشكيك… فنتصارع وننزف طاقتنا في جلد بعضنا البعض.

كلما بدأنا نتلمّس الاستقرار، يُبعث من يوقظ الأحقاد القديمة، يحرّض الفقير على الفقير، ويُقنع الجائع أن عدوه هو جاره الذي يملك فتاتًا أكثر. تُحرّك الأيادي الخفيّة الكيس، ويبدأ مسلسل الفوضى من جديد.

ننسى الكيس… ننسى من يضغط علينا من الأعلى… من يُحكم السيطرة على أرضنا وقرارنا واقتصادنا، بينما نحن منهمكون في خناقات داخلية عبثية.

اليوم، نشهد انهيارات متسارعة في اقتصادنا، في منظومتنا التعليمية والصحية، في قدرتنا على البقاء في أوطاننا بكرامة. لا كهرباء، لا أمل، لا دولة.أجيال تُهاجر، وشباب يُدفنون في عرض البحر أو يُستنزفون على عتبات السفارات. والفاجعة؟ أننا ما زلنا نتقاذف اللوم، نُبرّئ الجلاد، ونجلد الضحية… وننسى من يُمسك الكيس.

إلى متى سنبقى فئرانًا تُحرَّك؟
إلى متى سنبقى نعيش ضمن حدود الفتنة والجهل والتخوين؟
آن أوان الوعي… آن أوان أن نكسر الكيس.

كل دولة في العالم تسعى خلف مصالحها، وهذا حقّها. أما نحن، فنتصرّف كأن لا مصلحة لنا إلا في الحقد على بعضنا البعض.

فلنُدرك أن وحدتنا ليست شعارًا، بل هي الممرّ الوحيد إلى النجاة.

كل واحد فينا مسؤول. كفانا تذرّعًا بالمظلومية. كفانا فرقة وأنانية.

فلنستفق قبل أن نُدفَن جميعًا في كيس التاريخ…

اخترنا لك