بلدية صيدا… التعلّم من “السنوات العجاف”

بلدية صيدا

بقلم وفيق الهواري

وصف النائب أسامة سعد، منذ فترة، التجربة البلدية السابقة وأثرها على مدينة صيدا بأن المدينة قد عاشت ١٥ عاماً عجافاً، ما دفع البعض إلى انتقاد تصريحه، والإشارة إلى وجود إنجازات خلال الفترة الماضية. كي نكون موضوعيين، لا بد من تسليط الضوء على “الإنجازات” التي تحققت خلال ١٥ عاماً، والهدف ليس النقد فحسب، بل محاولة دفع المجلس البلدي الجديد للتعلّم من التجربة السابقة التي أوصلت المدينة إلى ما وصلت إليه

خلال الـ١٥ عاماً الماضية، أصدر المجلس البلدي كتابين يروي في كل منهما الإنجازات التي تحققت خلال كل عهد من عهدي السلطة المحلية. عام ٢٠١٦، أصدر المجلس البلدي، عند انتهاء ولايته الأولى، كتاباً بعنوان: “الحلم أصبح حقيقة والجبل صار حديقة”، يتحدث فيه عن الإنجازات التي تحققت خلال الفترة الممتدة ما بين الأعوام ٢٠١٠ و٢٠١٦

كلفة إنجاز الوهم

الإنجاز الأول هو تخليص المدينة من جبل النفايات. لا يختلف اثنان على أهمية هذا الإنجاز، بإزالة مكب النفايات التاريخي الذي تراكمت فيه النفايات خلال فترة ٤٠ عاماً. لن ندخل في تفاصيل آلية العمل التي يختلف الكثيرون حولها، ولكن عندما نناقش موضوع الفساد ونهب المال العام، في مواجهة ما يقوله أصحاب السلطة بأنهم حققوا هذا الإنجاز أو ذاك، نبادر إلى السؤال: كم كلف هذا الإنجاز؟ وهل كانت الكلفة واقعية وتنافسية؟

خلال فترة المجلس البلدي الذي كان موجوداً بين عام ٢٠٠٤ وعام ٢٠١٠، قدم الأمير السعودي الوليد بن طلال اقتراحاً بتمويل إزالة المكب بمبلغ ٥ ملايين دولار أميركي. من لا يزال يتذكر، يعرف أن السلطات المركزية آنذاك لم تسمح للمجلس البلدي بتنفيذ المشروع. بعد وصول المجلس الحالي، أُعلن عن تخصيص أكثر من ٢٠ مليون دولار لإزالة المكب. السؤال: كيف ارتفعت كلفة إزالة المكب أربعة أضعاف؟ هل من توضيح من المجلس البلدي حول ذلك؟ أم أن المهم هو الإنجاز الذي كان باباً لنهب المال العام؟

الانجاز الثاني

يتحدث الكتاب أيضاً عن إنجاز ثانٍ، هو مركز معالجة النفايات المنزلية الصلبة. لنبدأ من البداية، الاتفاق الذي وُقّع عام ٢٠٠٢ يتضمن مخالفات قانونية، أهمها بند تمليك أرض المركز للشركة المشغّلة، وهو ما تكرر بالمرسوم الوزاري عام ٢٠١٢، وهذا الأمر مخالف لقانون الأملاك البحرية العامة. لم يذكر المجلس البلدي في كتابه ما حصل بعد عام ٢٠١٠، عندما رفضت إدارة المركز البدء بأي عمل إلا بعد إلغاء مجانية معالجة نفايات المدينة، وتم التعاطي مع مدينة صيدا حيث يقع المركز كأي بلدة أو مدينة أخرى، من خلال إلزامها بدفع نفس الرسوم، التي لم يشرح أحد أسبابها أو المعايير التي ساعدت في تحديد السعر. وللتذكير، أنه بعد بدء العمل في المركز بثلاثة أشهر، سافر المدير العام للشركة إلى ألمانيا لشراء معدات جديدة. ماذا يعني هذا؟ يعني أن التجهيزات لم تكن كاملة حتى بعد بدء التشغيل

تشير إنجازات البلدية السابقة إلى إنهاء مشكلة التلوث البحري في صيدا، وأن الشاطئ هو الأنظف في لبنان. إنجاز يثير الضحك، خصوصاً أن جميع التقارير التي تصدر عن مركز البحوث تشير إلى أن الشاطئ ملوث

في كتاب المجلس البلدي فقرة تقول: “ومنذ ٥ كانون الثاني ٢٠١٦ توقف المعمل عن طمر العوادم في الأرض الملاصقة، وعليه توصّل المعمل في صيدا إلى zero landfill”. غريب هذا الأمر، إذ إن طلب الترخيص المقدم إلى وزارة الصناعة ينص على أنه معمل معالجة بدون طمر أو حرق. هل من توضيح من المجلس البلدي؟ وإلى ماذا وصلنا الآن، وخصوصاً أننا لا نناقش وضع مركز معالجة النفايات؟

إنجازات بالجملة

ثم يعرض الكتاب إنجازاً ثالثاً تمثل بإقامة حاجز بحري بهدفين: الأول تأمين الحماية البحرية، والثاني إيجاد مساحة إضافية للمدينة، ويشرح الكتاب أهمية تأمين مساحات خضراء، وأن ٢٠٠ ألف متر مربع ستكون لإقامة محطة تكرير ثانوية للمياه المبتذلة. ولكن، وبعد عشر سنوات، ماذا حصل؟ نرجو من المجلس البلدي توضيح ما حصل، وخصوصاً أن المجلس المعني، وبعد مرور سبع سنوات على المرسوم ٣٠٩٣ الذي يطلب منه إعداد دراسة جدوى اقتصادية للمنطقة، لم يُقدِم على أي خطوة بهذا الاتجاه، ويبدو أن البعض ما زال يسعى لمحاصصة سياسية لاستثمار الأرض.

يشير الإنجاز الرابع إلى إنهاء مشكلة التلوث البحري في صيدا، وأن الشاطئ الصيداوي هو الأنظف في لبنان. إنجاز يثير الضحك، خصوصاً أن جميع التقارير التي تصدر عن مركز البحوث تشير إلى أن الشاطئ ملوث، وأن السباحة فيه حذرة جداً. ويُطرح السؤال: كيف تلوث حالياً ولماذا لم تمنع البلدية ذلك؟

ثم يتحدث عن ساقية القملة وتغطيتها بالإسمنت، ويبدو أن أحداً لم يمر عند إعداد كتاب “الإنجازات” بشاطئ صيدا المواجه لجامع الزعتري ليلاحظ المياه المبتذلة وهي تنساب إلى مياه البحر.

أما الإنجاز السادس، فهو نقل دباغات الجلود إلى جوار مركز معالجة النفايات وبشروط بيئية محددة، وبالتعاون مع الاتحاد الأوروبي، وأن هذا الإنجاز سيكتمل في نهاية ٢٠١٦. المضحك في الموضوع أن دباغتين ما زالتا تعملان حتى اللحظة بطريقة غير قانونية، وأن النفايات المتولدة من الدباغات يجري نقلها وطمرها في الأرض المردومة، وبإذن من البلدية.

الشاطئ النقي والحديقة الغنّاء

ثم يتحدث الكتاب عن الشاطئ الصيداوي وعن جزيرة الزيرة. نكتفي بتذكير المجلس البلدي بأهمية قراءة قرارات وزارة الأشغال العامة بهذا الموضوع، وكيف كان يتم التعامل معها خلال السنوات الماضية، إذا كان فعلياً يُمارس الشفافية.

ومن أهم الإنجازات التي يشير إليها الكتاب، هو إنشاء حديقة السعودي التي تبلغ مساحتها ٣٥ ألف متر مربع. على الرغم من أهمية إقامة المساحات الخضراء، سأكتفي بذكر ما حصل في أحد الاجتماعات التي عُقدت في مبنى البلدية قبل أعوام، كان عدد من أعضاء المجلس يتحدث عن الحديقة، عندما توجهت إليهم بسؤال: هل يمكن لكل منكم اصطحاب عائلته إلى الحديقة المذكورة التي تقع في أكثر مناطق صيدا تلوثاً؟ الصمت كان سيد الموقف، ولم يجب أحد.

بعد ذلك، تحولت الحديقة المذكورة إلى أرض تضم أشجاراً تُقطع ويتم بيعها كحطب، وقد تم إبلاغ المجلس البلدي بذلك، وكانت النتيجة: لا شيء، لا متابعة ولا محاسبة.

مرفأ الخردة

هذا ويتحدث الكتاب عن “مرفأ الخردة” بصفته إنجازاً، لكنه لم يتحقق منذ عشر سنوات، ولم تُجرَ دراسة جدوى اقتصادية ولا دراسة أثر بيئي، رغم تأثيره السلبي على البلد القديمة.

أما المستشفى التركي، فهو حتماً إنجاز، لكنه لم يكتمل، وأساس المشكلة سياسة المجلس البلدي وغياب وزارة الصحة عن المعالجة الفعلية لتشغيل المستشفى. فهل يستطيع وزير الصحة ركان ناصر الدين طرح خطة عملية حول المستشفى المذكور الذي يعمل حالياً بشكل جزئي؟

السوق التجاري الناهض

المضحك المبكي في الكتاب، فعندما يشير إلى إعادة تأهيل السوق التجاري الذي “ضخ الحياة والجمال في قلب المدينة”، كما ورد حرفياً، وهو المشروع الذي تعاني منه المدينة والسوق التجاري منذ تنفيذه. في اجتماع عُقد في بلدية صيدا في ١٧ آب ٢٠٢٣، اقترح أحد مسؤولي بلدية صيدا مشروعاً يقضي بترميم وتأهيل بلاط السوق التجاري بسبب سوء الموجود. عند مراجعة أحد أعضاء المجلس البلدي حول المشروع، أجاب: “البلدية لم توقّع على استلام المشروع”. إذن كيف يمكن وصفه بأنه إنجاز للمجلس البلدي؟

ما نطرحه سيدفع العديد من أعضاء المجلس البلدي الحالي للقول: “إننا لا نتحمل مسؤولية ما قامت به المجالس السابقة خلال ١٥ عاماً”، وهذا صحيح. لكن ما نطرحه فإننا نهدف إلى تسليط الضوء على تجربة سلبية، كي يتعلم المجلس البلدي الحالي منها، ويتجنب الوقوع في الأخطاء التي وقع بها من سبقه. وللإنجازات تتمة في الكتاب الثاني الصادر عام ٢٠٢٢…

اخترنا لك