وئام وهاب… فتيل الفتنة وصوت التحريض : صمت الدولة يُهدد ما تبقّى من علاقات لبنان الدولية

بقلم د. عبد العزيز طارقجي

في الوقت الذي يمرّ فيه لبنان بأدقّ مراحل تاريخه السياسي والاقتصادي، وبينما تكافح الدولة لاستعادة شيء من ثقة الداخل والخارج، يخرج علينا من قلب المشهد اللبناني رجل يدّعي السيادة والكرامة، وهو في الحقيقة أبعد ما يكون عنهما.

وئام وهاب، الحليف المعلن للنظام الإيراني في لبنان، والتابع المخلص للنظام بشار الأسد الذي سقط تحت ركام الجرائم، يستمرّ في إطلاق سمومه السياسية والإعلامية ضد الدولة اللبنانية، وضد شركائها الإقليميين والدوليين، دون رادع أو محاسبة.

منذ سقوط النظام الأسدي، اصاب وهاب جنون البقر ، وراح يهاجم الدولة السورية بوقاحة سياسية، معلنًا بشكل فاضح تدخّله في الشأن السوري، بل متجاوزًا حدود الرأي إلى التحريض العلني على الدولة السورية نفسها. والأخطر، إعلانه تشكيل تنظيم مسلح، خارج إطار الدولة اللبنانية، في انتهاك مباشر وفج للدستور اللبناني، وللقوانين التي تحظر تشكيل الميليشيات، وللمواثيق الدولية التي تمنع المسّ بسيادة الدول الأخرى أو التحريض على النزاعات فيها.

وئام وهاب لا يكتفي بالتحريض، بل يواظب على شتم الدولة السورية حينًا، والمملكة العربية السعودية حينًا آخر، مستخدمًا منابر الإعلام اللبناني كأداة للشتيمة، والتهديد، والتحريض الطائفي والمذهبي، في استعراض خطابي قذر، لا يليق إلا بمن اعتاد التبعية والارتهان للمحاور المظلمة.

انفلات دون محاسبة… فأين الدولة؟

المثير للغضب، بل وللريبة، هو الصمت الرسمي المخجل الذي تقابل به مواقف وهاب. لا رئاسة الجمهورية، ولا رئاسة الحكومة، ولا القضاء، حرّكت ساكنًا أمام هذه الانتهاكات الصارخة. فأين الدولة من رجل يهدّد السلم الأهلي، ويعلن عن فصائل مسلحة، ويهين دولًا صديقة، ويشوّه صورة لبنان في المحافل الدولية؟

إن التغاضي عن أفعال وهاب ليس تهاونًا فحسب، بل تواطؤًا يُدين المؤسسات الرسمية اللبنانية أمام شعبها أولًا، وأمام المجتمع الدولي ثانيًا. كيف يمكن للبنان أن يطالب بدعم الدول العربية والخليجية، فيما يفتح منابره لأبواق الشتيمة والبذاءة والتهديد ضد هذه الدول؟ كيف تطالبون باحترام السيادة، فيما يخرج أحد أبنائكم ليعلن تبعيته لقرار إيراني، وينفّذ أجندات خارجية تحت ستار “الكرامة الوطنية”؟

تهديد مباشر لعلاقات لبنان ومكانته الدولية

إن أفعال وهاب، ومن دون أي مواربة، تمثل خطرًا داهمًا على ما تبقّى من علاقات لبنان العربية والدولية. السعودية، التي لطالما وقفت إلى جانب لبنان، تتلقى من وهاب شتائم متكرّرة. وسوريا، الدولة الجارة، تتعرّض لتحريض مسلح على لسانه. في أي دولة محترمة يُسمح لشخص بتأسيس حزب مسلح والتحريض على الحرب وتهديد الدول الأخرى دون محاسبة؟

ما يفعله وهاب لا يعكس رأي شريحة واسعة من اللبنانيين الذين يرفضون الانزلاق إلى محور إيراني مغلق ومعادٍ للعرب وللعالم. بل يمثّل خطرًا فعليًا بأن تظهر الدولة اللبنانية وكأنها عاجزة، أو أسوأ: خاضعة تمامًا للنفوذ الإيراني، تقف متفرجة على تحركات عملائه في الداخل، لا تملك قرارًا، ولا تفرض قانونًا.

دعوة عاجلة للمحاسبة القضائية والسياسية

من هنا، نوجّه نداءً صارخًا إلى الحكومة اللبنانية، وإلى القضاء اللبناني، وإلى كل من يدّعي الحرص على السيادة والدستور: أوقفوا وئام وهاب عند حدّه. افتحوا التحقيقات، وفعّلوا المواد القانونية التي تمنع تشكيل ميليشيات غير شرعية، والتي تُجرّم التحريض على دول صديقة، والتي تحظر استخدام الإعلام كمنبر للشتائم والتحريض الطائفي.

المطلوب ليس الانتقام، بل تطبيق القانون. المطلوب ليس الردّ عليه إعلاميًا، بل محاسبته أمام القضاء اللبناني، حفاظًا على ما تبقّى من هيبة الدولة، ومن احترام الشركاء الدوليين والإقليميين. الصمت لم يعد حيادًا، بل صار خيانة موصوفة بحق الدولة.

مخالفات قانونية صارخة: وئام وهاب فوق القانون؟

إن ما صدر عن وئام وهاب مؤخرًا – من تحريض علني بالصوت والصورة على قصف القصر الرئاسي في سوريا، ومهاجمة وزارة الخارجية السعودية، فضلًا عن الخطابات التي أسفرت عن اعتداءات مباشرة على مواطنين سوريين مقيمين في لبنان – يشكّل سلسلة من الانتهاكات الخطيرة التي تضعه في خانة الجرائم المكتملة الأركان، والتي تستوجب تحرّكًا قضائيًا فوريًا.

بحسب القوانين اللبنانية، فإن هذه الأفعال تُعد:

أولًا: التحريض على ارتكاب أعمال إرهابية أو عنف مسلّح ضد دولة أجنبية

ويُعد ذلك جريمة وفقًا للمادة 278 من قانون العقوبات اللبناني، التي تنص على أن:

“كل لبناني يحرّض على أعمال عدائية ضد دولة أجنبية من شأنها تعريض الدولة اللبنانية لأعمال انتقامية أو الإضرار بعلاقاتها الخارجية، يُعاقب بالأشغال الشاقة المؤقتة من ثلاث سنوات إلى خمس عشرة سنة.”

ثانيًا: إنشاء تنظيم مسلّح غير مشروع

وفقًا للمادة 337 من قانون العقوبات، يُعاقب بالسجن:

“كل من أنشأ جمعية أو تنظيمًا مسلّحًا دون ترخيص قانوني، أو دعا للانضمام إليه، أو ساعد في تزويده بالسلاح أو التمويل.”

ثالثًا: إثارة النعرات الطائفية والتحريض على الفتنة

المادة 317 من قانون العقوبات تنصّ على أن:

“كل عمل أو خطاب أو منشور يهدف إلى إثارة النزعات المذهبية أو الطائفية أو العنصرية يعاقب بالحبس من سنة إلى ثلاث سنوات وغرامة مالية.”

رابعًا: تعريض السلم الأهلي للخطر والتحريض على الاعتداء على فئة من السكان

تُشكّل تصريحات وهاب تحريضًا مباشرًا على العنف ضد اللاجئين السوريين، وهو ما يُعتبر انتهاكًا خطيرًا للمادة 329 من قانون العقوبات، التي تُجرّم أي تحريض علني على ارتكاب جريمة ضد فئة معينة من السكان أو الأجانب.

خامسًا: إهانة دولة شقيقة وتهديد العلاقات الدبلوماسية

ما قاله وهاب بحق وزارة الخارجية السعودية يرقى إلى جريمة وفقًا للمادة 288 من قانون العقوبات اللبناني، والتي تجرّم “كل من يوجه الإهانة أو التحقير لدولة أجنبية تربطها علاقات دبلوماسية بالجمهورية اللبنانية، أو يحض على كراهيتها أو العداء لها”.

المطلوب: تحرك فوري واستدعاء قضائي

بناءً على هذه المخالفات، فإن وئام وهاب لا يجب أن يُترك طليقًا في فضاء الإعلام، ينشر خطاب الكراهية والفتنة، ويحرض على الإرهاب، ويهدد علاقات لبنان الخارجية. يجب استدعاؤه فورًا من قبل النيابة العامة، والتحقيق معه أمام القضاء اللبناني، ومحاسبته وفقًا للقانون، قبل أن تتفاقم تداعيات تصريحاته لتصبح عبئًا دوليًا على لبنان بأسره.

إن تطبيق القانون على وهاب ليس انتقامًا سياسيًا، بل هو واجب وطني وأخلاقي لحماية لبنان من التورط في أجندات خارجية… لا تمتّ إلى المصلحة الوطنية بصلة.

في الختام… من يمثل الدولة: القانون أم وئام؟

إن استمرار وئام وهاب في بثّ فوضاه دون أي محاسبة ليس مجرّد فلتان سياسي، بل إهانة صريحة لكل مؤسسات الدولة. فحين يُسمح لرجل واحد بأن يتصرّف وكأن لبنان مزرعة خاصة بيده، يشتم من يشاء، ويهدد من يشاء، ويؤسس مليشيات، ويتدخل في شؤون دول أخرى، فإن السؤال لم يعد: “أين الدولة؟”، بل: “هل بقي من الدولة شيء؟”

ما يقوم به وئام وهاب هو انقلاب ناعم على القانون، على السيادة، وعلى العلاقات اللبنانية العربية والدولية. كل لحظة صمت رسمي هي لحظة خضوع، وكل يوم تأخير في المحاسبة هو يوم يُخصم من كرامة لبنان وهيبته الخارجية.

البلد الذي أسّسه رجالات قانون ودستور، يُختطف اليوم أمام أعيننا على يد من يتحدثون بلسان الخارج، وينفّذون أجنداته بلا خجل. الدولة التي عُرفت يومًا بسيادتها وحُسن علاقاتها، باتت في خطر أن تُعرّف غدًا كدولة مأجورة الصوت، لا حول لها ولا إرادة.

لهذا، فإننا لا نناشد فحسب، بل نُطالب بأعلى صوت:

حاكموا وئام وهاب.

حاكموه باسم الدستور الذي مزّقه بخطابه.

حاكموه باسم الشعب اللبناني الذي تهينه تصريحاته.

حاكموه باسم الجيش والقضاء الذين يحاولون البقاء مؤسسات فوق النزاعات.

وحاكموه قبل أن يصبح “وهاب” هو من يُمثّل الدولة… لا القانون.


* صحافي استقصائي وباحث في مكافحة الإرهاب.

اخترنا لك