سجّلت مسألة رفع الحصانة عن وزير الصناعة السابق جورج بوشيكيان المتهم بجرم الاختلاس والتزوير وابتزاز عدد من الصناعيين، انتصارًا جديدًا للعمل الصحافي.
لولا المعركة التي فتحها الزميل رياض طوق، بكشف براثن الفساد، لما تشكّلت هذه القضية ووصل صداها إلى المجلس النيابي. فكان أول من أماط اللثام عن ماكينة بوشيكيان الاحتيالية، عبر جهد استقصائي كبيرٍ استمرّ لأكثر من عامٍ.
كشف طوق لـ”نداء الوطن” أن فريق عمله تمكّن من زرع أجهزة تسجيلات في مكتب مدير مكتب بوشيكيان، ليون كروميان، المعروف بـ”ليو”، الذي كان “عشّار” الوزير في “مصّ دماء” الصناعيين و”جابي” الخوّات والرشاوى منهم بشكل علنيّ، وبلا خجلٍ وعقد الصفقات داخل الوزارة. إذ حدّد لهم تسعيرات مالية مقابل رخص وشهادات صناعية وإجازات تصدير، يُفترض أن يحصل عليها المواطنون والصناعيون وفق القانون، إما عبر دفع رسوم رمزية أو من دون أي رسم يُذكر.
في بعض التفاصيل التي يمكن سردها على سبيل المثال لا الحصر، أنّ عددًا من المواطنين الذين اختاروا إنشاء شركات لتصدير الزيوت النباتية المستعملة في المطاعم والفنادق لطهي وتحضير المأكولات، والتي كان يتمّ التخلّص منها سابقًا عبر رميها في البحر أو في الأنهر والتربة، تعرّضوا لابتزاز من الوزير عبر مدير مكتبه، بفرض تسعيرة من أجل ترخيص التصدير.
حتى البرغل لم يسلم. فـ “العزّ للوزير والبرغل شنق حالو”. إذ منع الشركات من استيراد هذه الحبوب إلا بإجازة مسبقة صادرة عنه بحجّة حماية الصناعة المحلية، مع العلم أنه لا يوجد إلا مصنع واحد في زحلة وغير قادر على تغطية حاجات السوق المحلّي، ففرض تسعيرة عن كلّ طنّ.
ومن جملة المسائل التي أثارت الحسّ والشكّ الصحافي لدى طوق، هي “سفريات” بوشيكيان المتكرّرة أسبوعيًّا إلى قبرص واليونان. فهل كان ينقل الأموال؟ سؤال يُطرح.
ومع اكتمال الملف واستحصال الإعلامي الاستقصائي رياض طوق على وثائق جديدة ومراسلات تدين مسؤولين في الوزارة وتثبت الابتزاز والسرقة وهدر المال العام والخاص للصناعيّين، تقدّم بإخبار لدى مدعي عام التمييز القاضي جمال الحجّار. في هذا الإطار لا ينفي طوق بأن الظرف السياسي الحالي، عقب دخول لبنان عهدًا جديدًا وتشكيل حكومة الرئيس نوّاف سلام، ساعد في سلوك القضية طريقها القضائي والنيابي، على الرغم من الضغوط التي مارسها رئيس الحكومة السابق نجيب ميقاتي من أجل لفلفتها، كـ “ردّ جميل” على عدم انسحاب بوشيكيان من حكومته.