“نداء الوطن” تنشر أسباب إحالة حرب والجراح والصحناوي إلى التحقيق

التبريرات دفعت نوابًا للقول "في فساد وما في فاسدين؟"

بقلم كبريال مراد

لم تختلف نتائج جلسة مجلس النواب أمس عن المتوقّع، إذ تمّ رفع الحصانة عن النائب جورج بوشيكيان بقضايا الفساد الملاحق بها قضائيًّا عندما كان وزيرًا للصناعة، بناء على توصية اللجنة الفرعية التي تشكّلت من هيئة مكتب مجلس النواب ولجنة الإدارة والعدل بعضوية النوّاب جورج عدوان وآلان عون ومروان حمادة، ليتمكّن القضاء من استكمال ملاحقاته بعد تصويت 99 نائبًا مع رفع الحصانة. كما أحيل ملف وزراء الاتصالات السابقين نقولا الصحناوي وجمال الجراح وبطرس حرب إلى لجنة تحقيق برلمانية، بعد تصويت 88 نائبًا على تشكيل اللجنة التي ستضمّ نائب رئيس مجلس النواب الياس بو صعب والنائبين غادة أيوب وابراهيم الموسوي. وقد فاز بالتزكية 3 أعضاء رديفون هم فريد البستاني، بلال عبد الله، ياسين ياسين. وقد أتيح للوزراء السابقين ووكلائهم الدفاع عنهم تحت قبة البرلمان، فرفضوا ما هو موجّه إليهم. ما دفع أكثر من نائب إلى التعليق بالقول “في هدر وما في فاسدين، وفي سرقة وما في سارقين”.

في مجريات الجلسة، وحده الانقطاع المتكرّر للكهرباء وتوقّف التكييف، زاد الحماوة، تحت قبّة البرلمان. لكنّ الأمور سارت بحسب النظام الداخلي لمجلس النواب، لا سيّما المواد 139 و 140 و 141 و 142 و 143. وبناءً عليه، ستجري اللجنة تحقيقها وترفع تقريرًا بنتيجة أعمالها إلى رئيس مجلس النواب الذي يطرحه على المجلس للبتّ بالموضوع. وللجنة التحقيق أن تطّلع على جميع الأوراق في مختلف دوائر الدولة وأن تطلب تبليغها نسخًا عنها وأن تستمع إلى الإفادات وتطلب جميع الإيضاحات التي ترى أنها تفيد التحقيق. ويحق للجنة أن تعيّن لجنة فرعية من أعضائها لاستقصاء الحقائق في قضية معيّنة. وفي حال امتناع الإدارة المختصة عن توفير المعلومات المطلوبة إلى اللجنة الفرعية، ترفع هذه الأخيرة تقريرًا بالأمر إلى اللجنة التي انتدبتها، التي تقوم بدورها بطلب تعيين لجنة تحقيق برلمانية من الهيئة العامة.

الأكيد، أن ما حصل لا يعني ثبوت الاتهامات، بل استكمال المسار القضائي بالنسبة إلى بوشيكيان، والرقابي البرلماني بالنسبة إلى الصحناوي والجراح وحرب، ليبنى على الشيء مقتضاه من التبرئة أو الإدانة، وفقًا للوقائع والمعطيات والمستندات والتحقيقات التي ستتمّ.

وتتعلّق أبرز المخالفات في قطاع الاتصالات برعاية نشاطات ونفقات مشبوهة، ومنح ساعات عمل إضافية وهمية لمدير عام أوجيرو، والتعاقد مع شركة GDS لتمديد شبكة الألياف الضوئية، ما تسبّب في خسائر بمليارات الليرات، واستئجار مبنى في سوليدير بكلفة مرتفعة، واستئجار مبنى قصابيان بمبالغ طائلة من دون إشغاله لسنوات، واستئجار مبنى في منطقة الباشورة بكلفة مرتفعة، كان من الممكن بدلًا منها شراء المبنى.

كيف بدأت قضية الاتصالات؟

تعود المسألة إلى سنوات خلت. فقد صدر تقرير خاص عن ديوان المحاسبة الرقم 3\2023 بشأن صفقات استئجار شركة ميك 2 المملوكة من الدولة، مبنى قصابيان في الشياح من دون إشغاله بتاتًا، واستئجار شركة ميك 2 مبنى الباشورة ومن ثم شرائه بتكاليف عالية دون أن تتملّكه. وصدر قرار عن الديوان في 4 نيسان 2023، أظهر الوقائع والمخالفات.

وبحسب ديوان المحاسبة، فإن شركة ميك 2 ومنذ العام 2005 أعلمت وزارة الاتصالات بضيق مساحة المبنى المركزي الذي كانت تشغله قرب مرفأ بيروت، وبحاجتها للانتقال إلى مبنى يوفّر لها مساحات كبرى.

وفي العام 2011، طلبت الشركة من وزارة الاتصالات الانتقال إلى مبنى قصابيان في الشياح بمجموع بدلات يتجاوز 38 مليون دولار، على امتداد 10 سنوات، فضلًا عن الموافقة على تسديد 5 ملايين دولار لأعمال تجهيز المبنى وتقطيعه وفق حاجات الشركة. وقد اعترض الوزير شربل نحاس على العرض لأنّ المبنى قديم، وبدل الإيجار مرتفع، والمبنى في حالة غير مناسبة.

لكنّ الشركة أعادت عرض المبنى نفسه على الوزير الصحناوي الذي وافق على توقيع العقد بعد تخفيض بدل الإيجار إلى 31 مليون دولار، وقد وقّع العقد في العام 2012.

وقد وافقت الجهة المالكة للمبنى على حسم 700 ألف دولار من بدلات الإيجار عن السنوات اللاحقة، بعدما تبيّن أنه بحاجة لتدعيم أساساته.

وفي عهد الوزير بطرس حرب، طلب الاستفادة من إمكان الفسخ المبكر للعقد، فرفضت الشركة المالكة للعقار، وأصرّت على استمرار العقد. في 18 تشرين الثاني 2022، قدّم 26 نائبًا عريضة اتهام بحق الوزيرين الصحناوي وحرب، بالإضافة إلى الوزير جمال الجراح على خلفية قضايا أخرى، منها ما يتّصل بإيجار المبنى القائم على العقار 1526 في منطقة الباشورة.

مخالفات الصحناوي

في الوقائع الواردة، فإنّ الصحناوي وافق على إبرام العقد رضائيًّا من دون اشتراط إجراء مناقصة أو استجرار عروض مسبقة. وما يزيد من مسؤوليته في هذا المجال أنه تجاهل وتجاوز الاعتبارات التي كان سلفه الوزير شربل نحاس أثارها لرفض استئجار مبنى قصابيان، من دون إعطاء أي تبرير لذلك. (بناء قديم حالته غير مناسبة ببدلات مرتفعة).

كما أن الصحناوي أهمل التثبت من قيام الشركة المشغلة بما يلزم للتأكد من مدى صلاحية المبنى للغاية من استئجاره في ضوء حالته البادية للعيان ومن مدى ملاءمة البدل أيضًا، ما أدّى إلى: دفع وإهدار أكثر من 10 ملايين دولار أميركي من دون أي منفعة فعلية نتيجة عدم إشغال المبنى بتاتًا والتسبب في دعاوى لا تزال عالقة ضد شركة ميك 2 قد تصل قيمتها إلى ما يقارب 20 مليون د.أ. قد تترتب على عاتق الخزينة في حال قُدّر لشركة قصابيان ربح الدعاوى أمام القضاء.

مخالفات حرب

أما الوزير حرب، فقد اكتفى بحسب ديوان المحاسبة باتخاذ قرار بفسخ عقد الإيجار على خلفية معلومات وصلته. ورغم علمه الواضح بحصول هدر للمال العام، فإنه لم يتخذ أي إجراء لاسترداد المال المهدور، سواء من الإدارة السابقة في وزارة الاتصالات أو من الشركة المشغلة وفق عقد الإدارة بين الدولة وبينها. وقد تقدّم حرب بإخبار بما حصل، فيما كان ديوان المحاسبة ينتظر منه التقدّم بشكوى حول وجود شبهات في الملف إلى النيابة العامة المالية بناء على التحقيقات الصحفية، من دون أن يتّخذ أيّ إجراء إضافي بعد حفظ الإخبار من قبل النيابة العامة المالية، كأن يطلب التوسّع بالتحقيق مع إرسال ما لديه من مستندات وتقارير من شأنها جلاء العديد من الملابسات المحيطة بالصفقة.

مخالفات الجراح

أما الوزير الجراح، فقد أهمل إجراء رقابة وتدقيق فعليين على العروض المقدّمة من الشركة المشغلة وعلى الأسس التي اعتمدتها لاختيار المبنى المزمع استئجاره ما أدى إلى تكليف شركة ميك 2 بدلات باهظة، والإضرار بالأموال العمومية. وقد وافق على عقد إيجار بأسعار أعلى من أسعار السوق وصلت إلى 11.5 % بالحدّ الأدنى من قيمة المأجور وبشروط مجحفة. كما أنه وافق على عقد استكمال وتجهيز المبنى بأسعار أغلى وأعلى من سعر السوق ومع شركة مملوكة من نفس مجموعة مساهمي “سيتي دفلوبمنت” ومن دون إجراء أي مناقصة أو استقصاء أسعار. ما جعل من شركة “سيتي ديفلوبمنت” الخصم والحكم في الوقت ذاته بالنسبة لعقد استكمال المبنى.

وفي اتصال مع “نداء الوطن” أكّد بو صعب “أن اللجنة ستجتمع قريبًا لتضع المنهجية وخطة العمل، ليبدأ عملها من دون أي مماطلة”.

اخترنا لك