الراقصة والمغنّي والرؤساء الثلاثة

بقلم د. علي خليفة

مع أنّها ترقص وترقص، إلا أن دعوة الراقصة للرقص قد تقابله الراقصة بالصدّ. وكما الراقصة، كذلك المغنّي؛ لا تدْعُه للغناء فعوض أن يقوم بذلك، قد يذوي أو يتمنّع. وكما الراقصة والمغنّي، كذلك الرؤساء الثلاثة في لبنان. أخيرًا قالها مبعوث الدبلوماسية الأميركية… دعاهم لتطبيق الدستور وإقامة النظام والتزام مسؤولياتهم… قال: دستوركم لا ينصّ على وجود ميليشيات مسلّحة، ووثيقة الوفاق الوطني في الطائف تنصّ على حصرية السلاح بيد الدولة؛ أفلا تنفّذون دستوركم!

وإذ بالرد اللبناني يأتي متمايلاً، متأرجحًا، مواربًا… فرئيس الجمهورية عهد عهده في خطاب القسم فقط ثم انصرف إلى اللياقات الاجتماعية والعلاقات العامة. ولمّا حان وقت التنفيذ راح يقترح الحوار في مسائل تتطلّب الحزم والحسم بقوة الشرعية. وانسحب الاهتمام بلبنان تدريجيًّا ليغيب عن مشهد صناعة الأحداث في المنطقة وعن خريطة إعادة الإعمار والاستثمارات.

ورئيس مجلس الوزراء غير متمسّك بصلاحيات مجلس الوزراء كسلطة تنفيذية، فتُطبخ التسويات في مسارات رديفة للمؤسسات الدستورية وأنظمتها وهو يتفرّج بعين الداخلين إلى نادي رؤساء الحكومات لا بالعين الثاقبة لقاضي قضاة لاهاي.

ورئيس مجلس النواب، ينتظر على قارعة باب ما تبقى من “حزب الله” جوابًا على ما تبدّى من الورقة الأميركية… أهذا دور رئيس البرلمان في نظام برلماني ديمقراطي؟ أهذه هي المسؤولية التاريخية المُلقاة على عاتق من يشغل المنصب الرسمي الأعلى للطائفة الشيعية في النظام السياسي اللبناني في أدقّ مرحلة وأصعب ظرف حيث يُساق الشيعة إلى الحرب تلو الحرب، والقتل والتهجير والذلّة، ولم يبقَ من قرى الجنوب الأمامية حجرٌ على حجر؟ ما كلفة قطع الوثاق مع “حزب الله” بقرار مفصليّ يتجاوز حسابات الرئاسة الأبدية للبرلمان، من أجل إعادة معظم الشيعة اللبنانيين إلى مشروع الدولة وتحرُّرهم من التبعية لمشروع “حزب الله” الذي لم يجرّ سوى الوبال والنكبات؟

فترة طويلة وخبرات متنوّعة حملتني لأفهم في نهاية المطاف القوة الكامنة في الصيغة اللبنانية. والديمقراطية التوافقية هي أرقى أنواع الديمقراطيات، بالرغم من الطنين المفتعل أو الناجم عن سوء فهم. لنطبّقها كما نظّر لها آرندت ليبهارت في مقارباته لأنظمة التمثيل أو كما كتب عنها أنطوان مسرّة في دراساته المقارنة للأنظمة الدستورية. فعلنا العكس، فأصبحت التشاركية الراقية محاصصة وقحة، وأصبح الرؤساء الثلاثة كالراقصات أو كالمغنّين… تدعوهم ليقوموا بما هم موجودون لفعله، فلا يفعلون… وليتهم يصدّون كالراقصات، أو يتمنّعون كالمغنّين… ليبادروا، ولو بعد تضييع الفرص، للقيام بواجباتهم وإلزامات مسؤولياتهم.

اخترنا لك