من “حرب الآخرين على أرض لبنان” إلى “حرب لبنان على أرض الآخرين”

بقلم جان الفغالي

يجدر التنبه، الانزلاق والتورط اللبنانيان في أحداث “جزء من سوريا”، بدآ يسببان ارتدادات سلبية على الداخل اللبناني، أو بشكل أدق يخشى أن يكونا قد بدآ يسببان هذه الارتدادات.

تضج مواقع التواصل الاجتماعي بأوراق نعي لشباب من الجبل ومن وادي خالد في عكار، ومن مجالس عزاء و”صلاة الغائب” عن أرواحهم. كما كانت هناك دعوات للإقفال في مدينة عاليه، حدادًا.

المراقب لهذا المشهد، الممتد من الشوف وعاليه والمتن الأعلى، وصولًا إلى وادي خالد في عكار ، يرى مؤشرًا إلى أن هناك جمرًا تحت الرماد، بسبب حرب خارج الحدود، لكن ” رابط الدم ” و”المذهب”، يجعلان التعاطي والمساندة عابرين للحدود، فالمشاركة في أحداث السويداء، سواء من جانب شباب طائفة الموحدين الدروز، أو من جانب شباب مسلم من عكار، إلى جانب عشائر البدو في السويداء، تسببت بعامل تهديد للاستقرار في الداخل اللبناني.

صحيح أن هناك عقلاء من الطرفين، لكن العقلاء لم يغيبوا يومًا في كل سنوات الحرب، ومع ذلك استمرت الحرب.

ماذا يعني ذلك؟

العبرة الأولى، وبعيدًا من العواطف والآراء المسبقة، أنه طالما سوريا ليست بخير، فلبنان لن يكون بخير، لأن الأزمات متداخلة، وأول مَن جعل هذه الأزمات متداخلة هو تدخل “حزب الله” في الحرب السورية، ففُتحَت الحدود ونشط نقل السلاح والمقاتلين والتهريب، وبلغ الأمر بأحد رجال الدين من “حزب الله” أن اعتبر أن التهريب من لبنان إلى سوريا، يدخل في باب “المقاومة”.

اليوم وصلنا إلى هنا، فماذا نفعل؟

الخطوة الأولى يفترض أن تتمثل بفصل المسارين اللبناني والسوري، فالتأييد من طرف لبناني إلى طرف سوري، يجب ألا يتجاوز حدود التأييد السياسي، لا أن يصل إلى الانخراط العسكري وهو الخطأ الذي لامس الخطيئة، ووقع فيه “حزب الله”، عن سابق تصور وتصميم على امتداد سنوات، وأدى إلى خسائر لديه ولدى الطائفة الشيعية وإلى ارتدادات على المجتمع اللبناني ككل، واليوم لا يجوز تكرار الخطأ من جانب مذهبية أخرى على رغم تبدّل الظروف لأن المخاطر كبيرة.

هنا نصل إلى العبرة الثانية وهي أن على الحكومة اللبنانية، انطلاقًا من خيار الحياد والنأي بالنفس، أن تتخذ قرارًا يمنع التحاق أي لبناني بأي فصيل خارج لبنان، ولا بد من اتخاذ هذا القرار والمباشرة بتنفيذه.

إن الانغماس اللبناني في حروب الآخرين خطير كانغماس الآخرين في حروب لبنان التي شهدت تدخلات عديدة لعل أبرزها التدخل العسكري السوري منذ مطلع العام 1976 وصولًا إلى الانسحاب العسكري السوري في ربيع العام 2005.

ذلك التاريخ كان يفترض أن يكون لحظة مفصلية للابتعاد بلبنان ولإبعاده عن “سياسة المحاوِر”، بعدما اختبر كل انواع الحروب، لا بل كان “حقل تجارب”. سميت الحرب اللبنانية تسمية غير دقيقة وهي”حرب الآخرين على أرض لبنان”، صحيح أن هذه التسمية لم تكن دقيقة على الإطلاق، لكن في جانب منها كانت تعكس جزءًا من الواقع، فهناك “آخرون” شاركوا في حرب لبنان، وهذا الخطأ يجب ألا يتكرر حتى لو كان معكوسًا، بمعنى أنه لا يجوز أن يكون هناك لبنانيون يشاركون في حروب الآخرين، فأي مشاركة من هذا النوع ستجلب المتاعب للبنان وستعطي الذريعة لاستمرار الحروب، سواء بتدخل لبناني لدى الآخرين، أو بتدخل الآخرين في شؤون لبنان، وتستمر الدوامة في الدوران.

اخترنا لك