#زياد_الرحباني… العبقري الذي خان فكرته

بقلم نانسي اللقيس
@lakiss_nancy

يموت زياد الرحباني اليوم، ولا تموت معه الأسئلة. فالرجل الذي شقّ طريقًا فنيًّا فريدًا، وحفر اسمه في وجدان اللبنانيين بعبقريته المسرحية والموسيقية، يعود إلى الواجهة لا بوصفه فنانًا فقط، بل كظاهرة إشكالية لا يمكن مدحها دون حساب.

زياد، ابن المدرسة الرحبانية، تمرد على كل شيء: على والده، على المؤسسة، على الدين، على الطائفة، على الحرب، على الحرب الأهلية، على الزعيم، وحتى على فكرة الوطن. كتب للبؤساء، حكى بلسان الناس العاديين، هاجم تجار الهيكل، وسخر من زعماء الطوائف، فهتف الناس له: “أخيرًا واحد عم يحكي عنا”.

لكن زياد لم يبقَ هناك.

شيئًا فشيئًا، انقلب زياد الرحباني على فكرته. الرجل الذي هتف ضد الدولة البوليسية، أصبح صديقًا لأكثر الأنظمة بوليسيةً في المنطقة. مناصِرًا لجلاد دمشق، وبوقًا من أبواق محور المقاومة. اختبأ خلف شعارات النضال ليدافع عن أبشع ديكتاتوريات العصر، وليشرعن القمع تحت اسم فلسطين.

زياد الذي كتب يومًا عن البؤساء، لم يجد في ملايين السوريين المذبوحين والمشردين ما يستحق التعاطف. وزياد الذي غنّى لثورة الفكر، انتهى مهللًا لفكر ميليشيوي يغتال الوطن باسم قدسية السلاح.

قد يقول البعض: لا تحاكموا الفنان على رأيه. لكن ماذا نفعل عندما يصبح الرأي سلاحًا؟ وماذا نفعل حين يتحوّل الفنان من ضمير إلى بوق؟ من ثائر إلى مبرّر للجريمة؟

لا، لا ننسى عبقريته. ولا ندفن إرثه الفني. لكننا لا نكذب على أنفسنا: زياد الرحباني، وإن كان مبدعًا، انتهى إلى خيانة فكرته الأولى. خذل الذين آمنوا أن الفن طريق إلى الحرية، لا إلى العبودية. وأن الكلمة الحرة لا تُباع في سوق الشعارات.

نرثي زياد الفنان، ونسقط زياد المنظّر. ونكتب، لا لنحاكمه، بل لنتصالح مع الحقيقة: حتى العباقرة، يسقطون.

اخترنا لك