وداعًا زياد الرحباني : سَكَّر نِزل السُّرور بوّابَتو… وخلصِت السهرية

بقلم بلال مهدي

سكر نزل السرور بوابه، وخلصت السهرية، وما حدا عارف بالنسبة لبكرا شو. كلمات تبدو وكأنها خُطّت على لسان زياد الرحباني، الفنان الذي رسم بفرشاته الموسيقية والجمالية واقع لبنان بحلوه ومره. انتهت السهرية، ولكن الحديث عن زياد الرحباني، وعمله، وأثره في الفن اللبناني والعربي، لا يزال قائمًا رغم مرور الوقت.

زياد الرحباني ليس مجرد فنان، بل هو حالة فنية وثقافية، شاعر موسيقي، وموسيقي شاعر. كان الصوت الذي لا يخشى أن يتحدث عن كل ما هو مُخبّأ في زوايا لبنان المعتمة. في موسيقاه وكلماته، كان دائمًا يتعامل مع الواقع اللبناني كما هو: مليء بالألم، التحدي، والتمرد، ولكن أيضًا مليء بالكرامة والصدق.

أغانيه كانت جسرًا بين الحزن والفرح، بين الأمل والمأساة، وبين التمرد والقبول. “سكر نزل السرور بوابه”، كما كانت أغنيته الشهيرة، تعكس حالة الارتباك والمشاعر المتضاربة التي كان يمر بها لبنان، ويعبر عنها بأبسط الكلمات وأكثرها عمقًا. في ذلك الزمن، كان زياد يطرح تساؤلاته عن مصير البلد الذي يذوب في الفساد، التخاذل، والشعور بالعجز.

عصر الفشل والكرامة العنيدة

لكن زياد الرحباني، رغم كل ما قد يراه البعض من فشل في محيطه السياسي والاجتماعي، كان يصر على تقديم نفسه على أنه المواطن اللبناني الأصيل، الذي يعيش في قلب مأساة وطنه، لكنه لا يتخلى عن كرامته. كانت كرامة اللبناني العنيد هي السمة المميزة لفنه. على الرغم من محاولات قوى عديدة سحق الروح اللبنانية، كان زياد يصر على إبقاء هذه الروح حية في كل نغمة وكل كلمة.

وها نحن اليوم نعيش في “عصر شي فاشل”، كما يعبر عن حالنا زياد في موسيقاه، حيث يتساقط الأمل تلو الأمل، ولكننا رغم كل شيء، نعيش كما لو أننا أبطال فيلم أميركي طويل، كما كان يقول. نعم، فيلم طويل مليء بالمغامرات، الآمال الكاذبة، والتضحية المتواصلة في مشهدٍ لا يتغير.

الفن الذي لا يموت

ولكن لا، زياد الرحباني لن يموت في هذا السيناريو السينمائي. مثلما خلّد نفسه في موسيقى وأغاني ستظل حية في ذاكرة الوطن، سيظل تأثيره يلوح في الأفق كفكرة تساؤليه، تشبهه وتتشبث بكلماته الرائعة التي فاق جمالها حدود الزمن. كان “فيلم” زياد الرحباني هو فيلم البلد الذي لا ينتهي، والذي لا يستطيع أحد أن يتجاهل تاريخه أو يؤمن بأن حاله سيبقى كما هو.

إننا في عصر فاشل، ولكن زياد يعلمنا ألا نتوقف عن الحلم، عن المقاومة، عن الفن، الذي هو بكل بساطة إحدى الأشكال الثورية. كيفما نظرنا إلى الأمر، نجد أن فن زياد لا يزال يتنفس فينا، يتحدى الزمن، ويلهمنا في رحلتنا المستمرة نحو تغييراتنا الخاصة والجماعية.

الأثر المستمر لزياد…

ترك لنا زياد إرثًا لا يُقاس بالعدد ولا بحجم الشهرة. ترك لنا مفاتيح لفهم واقعنا اللبناني والعربي، وأدوات لنبني معًا عوالم جديدة من خلال الفن. انتهت السهرية، ولكن موسيقى زياد، كلمات زياد، وتطلعاته، ستظل تلاحقنا عبر الأجيال القادمة. وتمامًا كما كان يقول في أغانيه، رغم أن السهرية انتهت، لكننا نعلم أن الحياة مستمرة، والأمل موجود في كل لحظة، مهما كان الفشل واقعًا مريرًا.

اخترنا لك