تداعيات التظاهرات الإيرانيّة على العراق

بقلم د. ميشال الشماعي

تستمرّ التظاهرات في الجمهوريّة الاسلاميّة الإيرانيّة، بغضّ النّظر عن الوحشيّة التي بدأ النّظام الإيراني بالتعامل معها. ولا زال الشعب الإيراني مصرًّا على الوصول إلى مدارك الحرّيّة والتحرّر والتّحرير التي يصبو إليها منذ سنين. مع العلم أنّ هذا السعي لم يتوقّف، بغضّ النّظر عن اتّخاذه أشكالاً مغايرة بين الفينة والأخرى.

وبما أنّ أذرع هذا النّظام الإيراني ممتدّة إلى بعض دول الجوار، وأهمّها العراق، لا بدّ لهذه التحرّكات من أن تترك، ولو بعض التّداعيات على طبيعة الحكم في هذا البلد وغيره، لا سيّما وأنّ سلطة إيران فيها هي الحاكمة والمتحكّمة.

لهذه الغاية كان لجسور حديث مع الاعلامي والأكاديمي العراقي، الدكتور زياد العرار، الباحث في الشؤون الاستراتيجيّة والسياسيّة حيث يؤكّد أنّ “الاحتجاجات الدائرة اليوم في إيران تختلف عن سابقاتها. فهي ليست المرّة الأولى، وليست جديدة على المشهد الإيراني، لكنّها ذات طابع خاص إن من حيث العدد، وإن من حيث طبيعة استمراريّتها وإدارتها التي تختلف عن التظاهرات السابقة.

ويلحظ الدّكتور العرار “التميُّز في طريقة تظهيرها إعلاميًّا هذه المرّة عبر كيفيّة التصوير والتوزيع، إن من حيث ابتعادها عن السلطات الأمنيّة لتضمن عدم ملاحقتها، وإن في وتيرة هذا النشر السريعة جدًّا، بغضّ النظر عن الملاحقات الكبيرة التي تمارسها الأجهزة الأمنيّة.”

ويفيد العرار بأنّ التّظاهرات هذه المرّة تتميّز بأمرين جوهريّين :

1- هي شملت مدنًا لم تشهد أي تحرّكات منذ عقود في السابق.

2- فيها إصرار واضح على الوصول إلى الأهداف التي قامت من أجلها، وأوّلها إسقاط هذا النّظام الظالم.

ولا يغفل العرار ” أنّ النظام الإيراني هو نظام قويّ وطبيعة السلطة فيه قوية جدًّا، بوجود أجهزة أمنيّة تمارس سلطة القبضة الحديديّة على الشعب بأسره.” وبالتالي يستنتج أنّه ” لا يمكن التحدّث عن إمكانيّة تحقيق هذه التظاهرات لشيء ملموس في عمليّة تغيير النّظام حتّى الساعة، لكن هنالك متحقّقات حصلت فعلاً في عمليّة هذه التظاهرات؛ حيث صار هنالك خطاب جديد وأصوات من داخل السلطة.”

وعن طبيعة تحقيق هذه التظاهرات لأهدافها يجزم العرار ” إن لم تكن مبنية على أساس علمي فنهايتها ستكون كسابقاتها برغم اختلافها عنها.” ويؤكّد في حديثه لجسور أنّه “من غير المتوقع أن يكون هنالك تغيير من داخل السلطة بهذه السهولة، لأنّ النظام الايراني يمتلك عناصر القوّة كلّها على مساحة الدّولة بأسرها.”

أمّا بالنسبة إلى التداعيات في الدّاخل الإيراني وعلى الدّول التي تتحكّم فيها سلطات تابعة لهذا النّظام كالعراق، فيلفت العرار في حديثه لجسور أنّه ” بطبيعة وضع إيران والنظام فيها، فهي تحاول أن ترمي الكرة على الخارج وتتهم فيها ما تسميه بالفاعل الخارجي.” وبالنسبة إلى العراق فيرى العرار أنّه “لن يتأثّر وحده بطبيعة الحكم والاجراءات الموجودة، فيما يحصل في الداخل الايراني وحسب، لكن المنطقة كلّها ستتأثّر إن تغيّر نظام الحكم في إيران.

لكن لا يرى العرار ذلك في المنظور القريب، ويعيد ذلك إلى ” وتيرة الاحتجاجات التي تحدث في الدّاخل الإيراني. فاستراتيجيًّا، التداعيات التي تحصل في إيران لن تكون على القدر الكبير المؤثّر في المشهد العراقي، سواء أكان في مشهد السلطة الحاكمة، أو المشهد السياسي بشكل عام.

“أمّا بالنسبة إلى التيار الصدري في العراق فهو يمثّل أكثريّة سياسيّة انسحب من الحياة السياسيّة بعد رفضه التدخّل الإيراني المباشر في تشكيل السلطة بعد فوزه الساحق في الانتخابات التشريعيّة التي جرت في العراق في العاشر من اكتوبر عام 2021؛ والتي جاءت بعد عامين على التظاهرات الشعبية التي أجبرت رئيس الحكومة السابق عادل عبد المهدي على تقديم استقالته، وتولى مصطفى الكاظمي مهامه ليشرف على إجراء هذه الانتخابات. وتصدر الصدر المشهد الانتخابي بـ73 مقعدًا، من أصل 329 مقعدًا، ثم تحالف “تقدم” بـ37 مقعدًا، يليه ائتلاف “دولة القانون” بـ33 مقعدًا، ثم الحزب الديمقراطي الكردستاني بـ31 مقعدًا، والتحالف الكردستاني بـ18 مقعدًا، ثم تحالف “الفتح” بـ17 مقعدًا، يليه تحالف “عزم” بـ14 مقعدًا، مع مقاعد متفرقة على بقية الكتل السياسية.

وبعد سلسلة من الأحداث نتيجة ما شاب هذه الانتخابات من تجاوزات، لم يكن آخرها فشل محاولة اغتيال رئيس الوزراء العراقي السابق مصطفى الكاظمي في السابع من نوفمبر 2021 عبر استخدام طائرات مسيرة انتحارية استهدفت منزله داخل المنطقة الخضراء ببغداد. وتوالت الأحداث التي ادّت في في 30 أغسطس/آب 2022، إلى انسحاب أنصار التيار من المنطقة الخضراء بدعوة من زعيمهم مقتدى الصدر، وأعلن الأخير اعتزاله العمل السياسي نهائيا. وذلك على خلفيّة اعتراضهم على أداء السلطة التي تحوّلت موالية لإيران.

وفي تتمّة لحديث الدّكتور زياد العرار مع موقع جسور يلفت في هذا السياق إلى أنّ ” التيّار الصدري ما زال مراقبًا للأوضاع والأحداث في العراق؛ وما زال يرتقب مع الأغلبيّة السياسيّة الصامتة، والأغلبيّة الجماهريّة الصامتة، إمكانيّة العودة إلى الحياة السياسيّة وفق شروطه.” ويعلّل العرّار أنّ ” جمهور الشعب العراقي بأغلبيّته هو صامت، والدّليل على ذلك أن نسبة المقاطعة للإنتخابات الأخيرة بلغت 80 %. فهؤلاء الذين لم يشاركوا في هذه العمليّة الانتخابيّة إنّما يشكّلون هذه الأغلبيّة الصامتة.”

ويلفت العرار في إشارته إلى عودة التيّار ” إن عاد التيار الصدري للمشاركة في الانتخابات المحلّيّة المتوقّعة قبل نهاية العام التي قد ترافقها انتخابات نيابيّة، سيكون له تأثير قوي لا بل سيكون الأقوى بحسب آخر المعطيات في الساحة العراقيّة. ويعيد ذلك ” لأنّه لن يكون شريكًا في عمليّة تشكيل الحكومة في إطار محاصصاتي.”

ويلفت إلى أنّ ” المحاصصة التي تشكّلت وفقها حكومة السوداني حتّى هذه اللحظة، لم تأتِ بشيء للشعب العراقي، ولم تستطع أن تحقّق شيئًا للعراق كبلد.” ويتابع حديثه ” حتّى لو قيل أنّه من المبكر الحكم على حكومة السوداني لكن وفق هذه المعطيات لم يتحقّق شيئ.”

وفي شروط عودة التيّار الصدري أو بطبيعة هذه العودة يؤكّد العرار أنّه “إن عاد التيار الصدري إلى الانتخابات سيكون له دور كبير” ويختم العرار حديثه لجسور متحدّثًا عن وجهة نظر قوامها ” استبعاد عودة التيّار الصدري في ظلّ هذه الأسس للعمليّة السياسيّة، من دون تغيير في القوانين، لا سيّما من حيث طريقة تشكيل الحكومة، ليكون الفائز الذي يحصل على عدد المقاعد الأكثر في الانتخابات المقبلة.”

ولعلّ إشارة العرار إلى ذلك بسبب ما حصل بتشكيل الحكومة، حيث تمّ اعتبار الفائز هو مَن تمكّن من تكوين الكتلة الأكبر التي صارت بعد انسحاب الصدر الإطار التنسيقي التابع لإيران. فهل ستنجح الانتخابات المقبلة في العراق بعودة التيار الصدري وفقًا للأطر الديمقراطيّة التي نجح الإطار التنسيقي بالإنقلاب عليها؟

اخترنا لك