بقلم غسان صليبي
هناك
في غزة
وليس بعيداً من هنا،
بشرٌ مثلي ومثلك
مثل افراد عائلتي
مثل جيراني واصدقائي،
بشرٌ مثلي ومثلك يُقتلون يومياً
يرتعبون ويصرخون ويبكون.
أكاد ألملم أشلاءهم
أكاد اسمع صراخهم
إكاد امسح دموعهم
أكاد أضمهم الى صدري لأحميهم،
لكني لا أفعل شيئا من كل هذا
بل بالكاد أضم صدري الى أضلعي
لأتفقد قلبي الذي قرأ للتو
ما كتبته صديقتي سميرة من غزة:
“ما أصعب أن تكون الخيارات جميعها موت”.
من هنا الى هناك في غزة،
مسافة ساعات قليلة في السيارة
مسافة ساعات قليلة في الباخرة
مسافة نصف ساعة في الطائرة
مسافة ايام قليلة مشيا على الاقدام،
فهل يُعقل الا يكون احدٌ على هذه الارض
قادراً ان يوصلني من هنا الى هناك؟
هناك في غزة
وليس بعيدا من هنا،
تسقط انسانيتي
تحت أقدام العدو،
والعدو هو الاحتلال،
والاحتلال
هو السلاح
هو الرأسمال
هو الإله الشرير.
انسانيتي
تسقط هناك
فيما انا افتش عنها هنا،
افتقد انسانيتي
التي ظننتها هنا
في حين
انها لا يمكن ان تكون
الا هنا وهناك
في الوقت نفسه،
ذلك ان الإنسانية واحدة
اذا ماتت هناك
ماتت هنا.
بعيدا من هنا ومن هناك
وفي بلدان الغرب،
يتظاهر البشر
رفضا للمذبحة التي تحصل في غزة،
يركبون السفن
ويتوجهون الى غزة
لعلهم يصلون
قبل أن تلفظ انسانيتهم آخر أنفاسها.
هم يدركون أكثر منا
أن انسانيتهم
هي التي تحتضر هناك
بعد أن احتضرت سابقاً
على ارضهم وبفعل أيديهم
عندما قتلوا ونكّلوا باليهود
وقبل أن يرحّلوا مومياءاتهم الى فلسطين،
حيث راحت تزرع الموت.
السلاح
والرأسمال
والإله الشرير
يركبون اليوم معا الدبابة الاسرائيلية
في هجوم بري على مدينة غزة،
فيلاحقون اجساداً جائعة خائفة وتائهة
ويجرفون معهم
جغرافيا وتاريخا وقضية
وبقايا انسانية.
ثلاثي الموت،
السلاح والرأسمال والإله الشرير،
يحتل الكرامة الإنسانية
قبل أن يحتل الارض،
وهو الذي يبسط سلطته اليوم
على المشرق العربي
بإحتلال او بدون إحتلال.