بقلم أنطونيو فرحات
تكثرُ في الآونة الأخيرة أقاويل وتسريبات لدى البعض، وأمنيات لدى البعض الآخر، بأن الانتخابات النيابية ستؤجّل بين السنة والسنتين. ويعزز هؤلاء رأيهم نظرًا لتقاذف كرة النار بين الحكومة والمجلس النيابي حول الصلاحيات بين استحالة التطبيق ووجوب التعديل.
غير أنه قد فات المنادين بالتأجيل والمتمنين له، أن من كانت له جرأة اتخاذ قرار بناء الدولة بدءًا بإجراء الانتخابات البلدية بموعدها، وصولًا إلى قرار سحب السلاح غير الشرعي من كافة المنظمات والأحزاب وخاصةً الفلسطينية منها، وصولًا إلى “حزب اللّه”، لن تهابه منفعةٌ شخصية من هنا ولا إغراءٌ من هناك.
نعم، نحن اليوم في مخاضٍ جديد لبناء دولة قوية، قادرة، فاعلة، عادلة، ومن أولى ركائز هذه الدولة مكافحة ومحاربة الفساد، وما من شيءٍ أفضل لبدء هذا المسار، إلّا احترام المهل الدستورية وإجراء الاستحقاقات في مواعيدها المحدّدة قانونًا.
كيف لا، وأغلبية الطبقة السياسية الموجودة اليوم، تنخر بجسد الوطن المتآكل المتهالك طوال عقودٍ من الزمن. فهي ستحاول المستحيل للدفاع عن بقائها وعن استمراريتها وديمومتها، لأنها مدركة أن رياح التغيير في المنطقة قد هبّت، ووجودها ما عاد مرغوبًا فيه وغير مرحّب به أصلًا. أبعد من ذلك، إن الغطاء الممنوح لهؤلاء من جهة خارجية، أصبح مكشوفًا. والأسوأ، أن تلك الجهة أصبحت هي بحاجة إلى من يحميها ويحمي مصالحها.
يبدو أن لدى بعض السياسيين أمنيات بإقصاء صوت المنتشرين خاصةً وأن هذا الصوت نَفَسُهُ سياديّ حرّ، أي أنه صوت عقابيّ يحاسب ولا يتأثر بضغوطات من هنا ولا بمالٍ انتخابي من هناك، ما قد يؤثر في بلطجة بعض الأحزاب والتيارات والحركات على المقيمين العزل، ويغيّر في الواقع القائم شيئًا.
مهما يكن، لا يخطئ أحد البوصلة. فمن أخذ قرار إعادة الهيبة إلى الدولة، لن يتوانى عن احترام قسمه وإعادة القرار إلى الشعب ليتم تشكيل طبقة سياسية جديدة، تواكب العهد الجديد، تكون رؤيتها سيادية ولا تنتمي إلّا إلى الـ 10452 كلم مربع.
يتبدّى أن الدستور ليس وجهة نظر، ولا القوانين مسموح التلاعب بها لتخدم مصالح فئة صغيرة من أبناء الوطن الواحد من دون الكافة. فمن يعتقد أنه أثناء ولايته أدى دورًا رياديًّا في الشأن العام، لا سيّما على المستوى التشريعي والرقابي، فليبهرنا ويعلمنا بما أنجز، لتتمّ إعادة انتخابه. ومن كان شاهد زور طوال ولايته، لا يعلم سوى شراء المقعد محبةً بالسلطة فقط، يتوجب على الأحرار في منطقته التوّاقين والساعين إلى بناء وطن المبادرة، محاسبته في صناديق الاقتراع. لأن المؤمن لا يلدغ من الجحر مرتين واللبناني بطبيعته مؤمن ولا يمكن أن يرتكب المعاصي بإعادة انتخاب من تسبّب في أزمته الاجتماعية والمالية والحياتية، أكان من أخذ القرار أم من تقاعس في محاسبته، لأنه يصبح شريكًا ومتواطئًا في الجرم. فمن يرتكب الفعل نفسه وينتظر نتيجة مغايرة، تكون المشكلة منه حصرًا. وعليه، إن الديمقراطية تقتضي العودة إلى الشعب، فكيف بالحري إذا كانت المنطقة تتغيّر معالمها والعدّة القديمة ما عادت تنفع ولا تعمل في الظروف الجديدة؟
يتجلّى ممّا سبق بيانه، أنه لا بدّ أن تجرى الانتخابات النيابية المقبلة بموعدها، ولا بدّ من إخراج بعض الساسة المرتزقة من الحكم بالوسائل الديمقراطية، بسبب انتهاء مدة صلاحيتهم، ووجوب تولّي كوادر جديدة نظيفة الكف المسؤولية، تتقن العمل التشريعي، لا تساوم على سيادة الوطن، كما لا تساوم على وجودها في السلطة من عدمه، فلكلّ زمن رجالاته.