السلامة الغذائية مفقودة في لبنان والأنظمة غير صارمة

مزيد من الرقابة يحتاج إلى مراسيم اشتراعية لا تزال عالقة

بقلم فدى مكداشي

هناك ارتباط وثيق بين السلامة الغذائية والتغذية والأمن الغذائي. وتولد الأغذية غير المأمونة حلقة مفرغة من الأمراض وسوء التغذية، إذ تؤثر بشكل خاص في الرضع وصغار الأطفال والمسنين والمرضى، ويمكن أن تسبب الفيروسات المنقولة بواسطة الغذاء الإصابة بالإسهال والتهاب السحايا والإعاقة الطويلة الأمد وفي بعض الأحيان الوفاة. وفي لبنان وبعد انهيار الدولة وغياب الرادع الأخلاقي عند التجار​​ وبخاصة مصانع الألبان والأجبان، كانت آخر الفضائح استخدام النشاء و”الجفصين” والزيوت النباتية في طبق اللبنة، الذي يمثل الوجبة الرئيسة على مائدة اللبنانيين، وذلك بحجة الارتفاع الكبير في أسعارها. وتزامناً مع ذلك، انتشرت الأمراض المعوية بشكل كبير وازدادت الخطورة في ظل ارتفاع أسعار الأدوية وفقدانها من الصيدليات.

في السياق، توضح أستاذة العلوم الصحية البيئية في الجامعة الأميركية في بيروت الدكتورة مي جردي، في حديث خاص لـِِ “اندبندنت عربية” أن “الأنظمة الغذائية في لبنان غير صارمة إطلاقاً”، لافتة إلى أنه “بعكس دول الخليج العربي، حيث إن هناك نظاماً صارماً، إذ تحاول توحيد كل القوانين الغذائية والتنبيه من المنتجات غير المطابقة للمواصفات من خلال أحدث الأجهزة والتقنيات”. ولفتت إلى أن “وزارة الاقتصاد والتجارة اللبنانية كانت تستفيد من أجهزة الإنذار هذه، ولكن لا يوجد متابعة من قبلها للتأكد من جودة المنتجات بالتالي النظام مفكك”.

الاستراتيجية الوطنية

أما عن الاستراتيجية الوطنية في ما يتعلق بقوانين سلامة الغذاء، تشير جردي إلى أنه “تم العمل في الأعوام 2002 و2004 و2015 على مبادرة وطنية تحت إشراف لجنة علمية عينت من قبل مجلس الوزراء إلا أنه لا توجد مراسيم تشريعية للتنفيذ”، مضيفة “كانت المرة الأولى التي ينشئون قوانين ذات طابع أكاديمي، فالذين وضعوها كانوا من خلفيات علمية، أي ممثلين عن الجامعات عملوا على جمع كل المعلومات والأبحاث العلمية الحديثة حول سياسات السلامة الغذائية العالمية، واتبعوا نهج تحليل المخاطر لمعرفة التحديات وكيف يجب التصدي لها لتعزيز مستوى السلامة الغذائية والأنظمة كخريطة طريق للمستقبل”.

العوائق

وعن التحديات التي أعاقت التنفيذ، تشير جردي إلى أن “قانون السلامة الغذائية لم يطبق لأنهم لم يصدروا مراسيم تشريعية، وتالياً لم يعين رئيس لهيئة الغذاء بسبب التجاذبات السياسية”، معتبرة أنه “كان يجب أن يكون هناك تنسيق بين كل الوزارات المعنية ووضع هذه المبادرة بإطار منظم ضمن قواعد الصحة العالمية الصادرة عام 2005، التي تجبرنا على إنشاء جهاز إنذاري، ولكن الفوضى السائدة والأوضاع الاقتصادية المنهارة أعاقت ذلك بالتالي لا يوجد إطار موجه لتنفيذ هذه الخطط”.

دور أجهزة الإنذار

وعن أهمية أجهزة الإنذار، تؤكد أن “الرمز الموجود على المنتجات يخبرنا عن كل تفاصيل إنتاجه ومحتوياته لأن الدراسات أظهرت أن آثار المواد الكيماوية الموجودة في السلع الغذائية لا تظهر فوراً، فهناك دراسات تظهر أنها سليمة وهناك دراسات أخرى تظهر أنه بعد سنتين أو 10 سنوات هي مواد خطرة، ويجب أن ننتبه ونأخذ حذرنا، لذا يجب أن يكون هناك مقاربة علمية للتنفيذ. ويجب على الوزارات المعنية أن تقوم بالتنسيق بشكل جدي من خلال تفعيل دور الهيئة للوصول إلى نتيجة أسلم”، وكشفت عن أن “جزءاً من خطة المراقبة في هذه المبادرة هو إجبار التجار على سحب المواد الخطرة من السوق بشكل فوري”.

وضع الرقابة الداخلية

من جهته يشير رئيس نقابة مستوردي المواد الغذائية هاني بحصلي في حديث لـ”اندبندنت عربية” إلى أنه “على رغم من أن الأوضاع في لبنان فوضوية ولا يوجد ضوابط، نظراً إلى غياب السلطات الرقابية وانحلال الدولة، فإنه عندما يصدر إخبار للقضاء عن ضبط هذه المواد، هذا يعني أننا ما زلنا بوضع سليم من ناحية الرقابة”، معتبراً أن “هذا الأمر طبيعي إذ تحصل المخالفات في بلدان عدة متطورة وعادة ما يكون هناك خطأ في الإنتاج”.

وعن موضوع الألبان والأجبان واستخدام مواد مغشوشة كالزيوت النباتية، يرى “أن هذا الأمر أخذ أكثر من حجمه لأن الوضع الاقتصادي الخانق فرض على المنتجين استخدام مواد نباتية بدل المواد الحيوانية، وهو أمر مسموح؛ لأنه أوفر ويسهم بتخفيف الأسعار الغالية عن كاهل المستهلك”، معتبراً أن المواد النباتية “ليست بالجودة نفسها طبعاً لكنها في الوقت ذاته غير مضرة”.

أما عندما تأتي مواد مستوردة من الخارج، فيشرح “تمر بشكل رسمي عبر الجمارك ويحصل تحليلها بالتالي إمكاني ضبط هذه المخالفات من البضائع المستوردة أسهل من البضائع المنتجة محلياً، إذ يمكن لأي شخص في بيته أن يؤلف خلطة لطبق اللبنة، على سبيل المثال، وبيعها في السوق من دون رخصة ولا أي إشعار مسبق.

تعزيز التوعية الأخلاقية

ويشير البحصلي إلى أننا “نعيش بفوضى في القطاعات ولا يمكن أن نجد آلية خاصة للضبط والمراقبة، لأن الآلية الطبيعية يجب أن تعمل ضمن إطار دولة فعالة بالحد الأدنى من أجل تفعيل دور الموظفين المراقبين الذين يجولون في الأسواق، ولكن في الوقت عينه، لا يمكن أن نكون دولة بوليسية لأن إمكانات الدولة ضئيلة ويجب العمل في الوقت الحالي على موضوع التضافر الاجتماعي أي توعية الناس وتحديداً التجار على عدم السماح لدخول البضائع المضرة”. وختم “هذه المخالفات لا يجب إعطاؤها أكثر من حجمها الطبيعي، ونحن نرى أن لجنة الرقابة لا تزال موجودة ولو في الحد الأدنى بالوزارات كلها”.

اخترنا لك