زملاء الله في الأعجوبة سحقًا لنا كيف ننتحرهم كيف نتركهم ينتحرون ؟

بقلم عقل العويط

المنتحرون على مضضٍ منهم، غصبًا عنهم، سحقًا لنا، سحقًا للحكّام، سحقًا لأنّنا ننحرهم. سحقًا سحقًا سحقًا.

هؤلاء الذين ما أجملهم، ما أطيبهم، لأنّهم الذروة والرونق، كيف نجبرهم على الانتحار كلّ يوم، كيف نجعلهم يتخلّون عن كلّ شيء، كيف نجعلهم يهجّون، ويهربون، ويفرّون في الأوقات الجليلة، كيف ننهب ثياب أعمارهم، فلا ثياب، لا أعمار بعد الآن، لرحلاتهم الممضّة، ولا طعام يسدّ الرمق في الأرواح المجهضة، ولا منارة في حطام الليل، ولا بوصلة تُجنّبهم عثرات الطريق ومشقّات السير في المسالك الوعرة ؟

منتحري لبنان هؤلاء، ينتحرون غصبًا عنهم، على مضضٍ منهم.

كيف لا ندفن أيدينا في المقابر، في التوابيت، لأنّنا ننهب – لأنّكم تنهبون هواءهم المضمّخ بعسل الفجر، بحيث لا يبقى لرئاتهم هواءٌ يتنفّسونه في هذا الوقت العزيز من الحياة ؟

كيف نطالبهم بالبقاء ها هنا، ولم نترك لهم يدًا تصافح، ولا قلبًا يدمل ويعزّي ويصافح، ولا هم يعثرون على ظلالٍ تشفق على دموعهم المظلمة، ولا على أسرّةٍ للنوم، ولا على جمرٍ لأوجاع الشتاء الثقيل، ولا على جدرانٍ يعلّقون فوق مشاجبها نظراتهم المطفأة (قسرًا) بعد تعبِ انتظار، وبعد ضوءٍ عبثيٍّ طويل ؟

هؤلاء الذين تنجبهم أرحام الأمّهات الخصيبات المخصبات، ليهدوا ورودًا، ليخترعوا ثعالبَ، من أجل قمر العمر المنتظر فوق المكمل، فوق صنّين، فوق حرمون.

هؤلاء الذين يشيّدون لأحلامهم كؤوسًا مترعةً، وبيوتًا، وكتبًا، ومراويلَ، ونساءً، وموسيقى، واختراعاتٍ، ومقاماتٍ مرموقةً في المراكز المرموقة وفي عمارات الأمم، هؤلاء الذين يسألوننا أنْ نجعل المدن، والأيّام المقبلةَ، والأشعار، والأطفال، أماناتٍ في أعناقهم.

هؤلاء الذين يخبزون لنا أرغفة الامتلاء في الأفران، ويزرعون لنا الصعتر والزوباع في الحفافي، ويخاطبون من أجلنا زهر اللوز وورق الزيتون في السهول في البساتين، ويزاحمون سنديان الوعر في الوعر، ثمّ يجعلون لنا أعالي البحر سمكًا شهيًّا على الموائد.

هم أنفسهم هؤلاء الذين ننتحرهم، وننحرهم، كلّ يومٍ، ها هنا في لبنان المنتحر، من دون أنْ نأبه، من دون أنْ نكترث، بأنّهم زملاء الله في الأعجوبة.

لبنان المنتحر هذا غصبًا عنه وقسرًا، ولبنان المنتحرين هؤلاء على مضضٍ منهم.

سحقًا لنا، سحقًا للحكّام، سحقًا لكم، سحقًا للعالم جميع العالم، سحقًا لأننا ننحر القصائد، سحقًا لأنّنا نقتل لبنان، لأنّنا نذبح المنتحرين غصبًا عنهم. سحقًا سحقًا سحقًا.

اخترنا لك