بعد الثورة و الانتفاضة… اليسار يعلن قريباً “الحزب الوطني”

اليوم تبلغ 14 آذار سنّ الرشد

بقلم نوال نصر

اليوم هو 14 آذار. اليوم تبلغ الثورة التي هتفنا فيها، من عمق أعماقنا: «حرية سيادة إستقلال» و «سوريا برا برّا»، عامها الثامن عشر. اليوم – بعد أربعة أعوام على انتفاضة 2019، نحيي بلوغ 14 آذار سنّ الرشد. فهل علينا أن ننتفض ونثور في كل مرة ثم نعود ونستسلم؟ كلام كثير سنسمعه اليوم… لكن، شبعنا من الكلام ونريد أفعالاً ؟ ماذا عن الأرض ؟ ماذا على الأرض ؟ ماذا عن تجربة اليسار الديموقراطي على سبيل المثال لا الحصر؟ فلنسمع اليساريين في تجربتين، في ثورة وانتفاضة، واحدة وطنية وثانية يفترض أن تكون مطلبية. هم أعطوا دماً، أعطوا شهداء، أعطوا الشهيدين : سمير قصير وجورج حاوي قبل 18 عاماً ونجحوا – مع كل من نجحوا – في إخراج سوريا في 2005. فماذا أعطوا في ثورة 2019 ؟

يتمسك اليساريون بصورة سمير قصير ويرددون : “حلمه فينا”. سمير قصير حلمه كان في ثورة جارفة تؤسس للبنان جديد ويتشارك فيها كل من يؤمن بوطن. نتابع اليساريين فنجدهم يودعون رجالاتهم واحداً تلو واحد: وداعاً جورج منصور، وداعاً نبيل خراط، وداعاً عبدو معنى، ووداعاً نديم عبد الصمد… في 2019 أعلنوا : يجب علينا المشاركة بالتظاهرات لاستعادة الدولة من هذا العهد الفاشل والتابع… يجب إسقاط هذا العهد من رأسه حتى أسفل قدميه… يجب كفّ يد “حزب الله” عن استباحة هذه الدولة. وقبل أن تنطلق ثورة 17 تشرين بيومين أطلق اليسار النداء – الصرخة للدفاع عن الجمهورية وقيمها عبر خارطة طريق. ويومها أتى الرد ممن أصبح اليوم نائباً في البرلمان مارك ضوّ الذي قال: “وتثبتون مرة أخرى لماذا انتهى اليسار الديموقراطي. التحجر يؤدي الى زوال وأنتم ما زلتم تتصرفون كأنكم وحدكم تملكون الحقيقة. رأفة بالذين ماتوا إكتفوا بالذكريات”.

فهل ما سنسمعه اليوم من اليسار ومن اليمين مجرد ذكريات ؟

فلنبق مع اليساريين. ما رأي وليد فخر الدين الذي شغل أمانة سر حركة اليسار الديموقراطي؟ يجيب: “الإطار الذي تأسس فيه اليسار الديموقراطي في العام 2004 أنتج حركة سياسية ولدت في لحظة ما، ونجحت في لعب دور أساسيّ واحتواء كل المطبخ السياسي في مكتبها. لكنها، بعد التغييرات السياسية التي حصلت في 2013 و2014، إنكفأت وما عادت ناشطة، ليس كأداء وإطار بل كتنظيم. كان لدى اليسار الديموقراطي كثير من التحفظات على النهج والتسويات التي اعتمدت. وتسارعت الأحداث وكنا نحضّر لشيء أكبر في 17 تشرين. وجدنا أنفسنا في صلب الثورة الثانية في 17 تشرين بعدما أيقنّا ان الشكل التنظيمي السابق لم يكن الأفضل. أجرينا في 2019 إعادة قراءة لكل التجارب السابقة. ووجدنا ان النمط الحزبي التقليدي الذي اعتمد في 2005 لم يعد مثالياً بل يحتاج الى تطوير واعتماد أطر جديدة”.

رأى اليسار الديموقراطي أن الإطار القديم ما عاد يصلح. لكن، ماذا عن أخطائه هو؟ هل رآها؟ يجيب فخر الدين: “هو ليس خطأ، لا يمكن ان نسميه خطأ، وهو ما برز في 2 حزيران 2005 عند استشهاد سمير قصير ثم في 21 حزيران مع إستشهاد جورج حاوي ما اقتضى تغييراً في نمط العمل سببه الشق الأمني، ما عرّض آليات العمل الديموقراطي الى انتكاسة حقيقية فانتقلنا الى خانة الهاجس الأمني والى شكل آخر مختلف من الثورة”.

“دفعنا نحن- يقول فخرالدين- في اقل من عامٍ واحد شهيدين”. ويضيف: إنتقلنا الى ثورة 2019 واعتمدنا فيها نهجاً ومقاربة مختلفين وفتحنا باب النقاش واسعاً. حراكنا لم يكن مجرد تفصيل. ونجحنا بإيصال أشخاص باتوا اليوم في مجلس النواب وكانوا قبل ذلك جزءاً أساسياً في انطلاقة اليسار الديموقراطي بينهم مارك ضو وميشال الدويهي اللذان خرجا من تجربة المجموعات اليسارية في الجامعات”.

لحظة الإنهيار

لكن، هل هذا يكفي؟ أين التحركات المطلبية التي يتقدم بها، أو يفترض أن يتقدم بها، اليسار؟ يجيب فخر الدين: “نعيش في ظل منظومة قوية جداً، في داخل ما تسمى بالدولة العميقة، تبدو حتى اللحظة أقوى من الجميع. قدمنا أكثر من مقاربة وفتحنا نقاشات ونحن حالياً في لحظة الإنهيار التام للدولة، حيث لا حلول جاهزة. هناك شعارات لطيفة بينها حقوق المودعين، لكن هل نبيع الذهب؟ نكون في مشكلة فنصبح في مئة مشكلة. هل نطالب بإفلاس المصارف؟ هذا حل لكن ماذا عن ما قد يتمخض عنه. لسنا في مرحلة عادية أبداً. إنتهى دور لبنان كصلة وصل مع وجود دبي ونيوم والدوحة. لا أحد ينتظر إشارة منا. وبالتالي ما نحتاج إليه يحتاج الى نقاش نقوم به وإن لم يظهر حتى اللحظة الى العلن”.

بعض ما سمعناه ذكرنا بعلامة إستفهام طرحها الكاتب الياس خوري ذات يوم طارحاً السؤال: عما جرى لألوف العلمانيين والديموقراطيين واليساريين الذين تدفقوا الى ساحة الحرية، لكنهم عندما شعروا أن ظهورهم مكشوفة، بعد إغتيال سمير قصير، لم يطرحوا على أنفسهم بناء البديل؟ هل أهل اليسار الذين ظهروا في 2019 وكأنهم “أم الصبي”، إنسحبوا في 2005 بلا بدائل خوفاً من ظهر مكشوف؟

ثورة فانتفاضة

حنا صالح، اليساري الذي انتفض على حركة اليسار الديموقراطي، يقول: “مثلما كان اليسار موجوداً في استقلال لبنان 1943، وفي الصفوف الأولى في مواجهة الإحتلال الإسرائيلي، كان أوّل من أعلن على لسان سمير فرنجيه إنتفاضة الإستقلال. حركة اليسار كانت دائما موجودة، أدانت التعديات التي سبق وتعرض لها العونيون والقوات في السابع من آب (2001). لكن، العلامة الفارقة كانت يوم احتلال بيروت، ما أنتج الدوحة وعزّز زمن المحاصصة بما يخدم هيمنة “حزب الله”. وهذا ما توّج عام 2016 بانتخاب ميشال عون رئيساً للجمهورية. هنا، لم يعدّ لحركة اليسار مكاناً وبدأ اليساريون البحث عن خيار آخر، وغادرت قيادات عديدة سبق ولعبت دوراً في الجبهة الوطنية”. انتهت ثورة الأرز.

وبدأت إنتفاضة 17 تشرين التي التفّ حولها اليسار، كمجموعات متفرقة، شكلت أطرا تنفيذية لعبت دورها، بحسب صالح، في إنتفاضة 17 تشرين. “وجرى تأسيس طاولة حوار ضمّت أكثر من أربعين شخصية بينها ناصر ياسين شرّحت كل التركيبة السياسية وأكدت أن الإنتفاضة لن تتحقق بالنوستالجيا بل بإعلان الإنتفاضة الصريحة على حزب الله” يضيف: “اليسار ساهم في صمود الناس في الساحات، في كل الساحات، طارحاً حكومة مستقلة عن كل السياسيين مع عدم إمكانية تحقيق أي مطلب مع بقاء هذا النظام ونادينا: كلّن يعني كلّن”.

لكن، ألم تُستخدم عبارة: كلّن يعني كلّن- من البعض- بشكل أساء للمعنى نفسه؟ يستعين صالح بمقولة للفرنسي سانت جوست (لويس دو سان جوست) عن تحالف الإكليروس مع الإقطاع والملكية ذات يوم. يضيف: “المطلوب تحديد مسؤولية كل واحد. كل الطبقة الحاكمة شريكة. الإحتلال السوري أثّر على التركيبة الداخلية لدى الطبقة الحاكمة على اختلاف تنوعها. لذا، من لديه ذنب فليُسأل عما اقترفه، بالنسبة التي اقترفها. الأحزاب شريكة أيضاً، لذا لا بدّ من خلق أحزاب سياسية جديدة. اليساريون يعملون في هذا المنحى، على أن يكون للحزب المنشود سمة وطنية لا يسارية. إنتظروا قريباً حزباً وطنياً تحت عنوان: قيام الكتلة التاريخية التي لن يكون هناك أي بديل عنها. وستمثل كل الشرائح”.

نقاش مفتوح

ما تحدث عنه حنا صالح تطرق إليه أيضا جهاد فرح، المهندس اليساري، الذي ترشح عن لائحة شمالنا في الكورة في الانتخابات النيابية الأخيرة. يقول: “اليوم، هناك نقاش جدي جداً مفتوح مع اليساريين، ومع من كانوا يساريين، ومع من يؤيدون اليسار من أجل إنتاج حركة سياسية على إمتداد الوطن. نريدها حركة علمانية تؤمن بالعدالة الإجتماعية ولديها بعد يساري وديموقراطي وتؤمن بسيادة البلد وحياديته وبفصل السلطات”.

ثورة فانسحاب فانتفاضة فحزب… اليساريون نشطون اليوم لكن، هل ستلاقي “ديناميتهم” نتيجة أم مجرد إفتراض؟ يتحدث جهاد صالح عن إنتفاضة 2005 ويقول: “هدفنا كان إستقلال لبنان من الهيمنة السورية وتحرير الأرض ولم يكن خلافاً بين يمين ويسار، وكان لنا الدور الرئيسي فيها. الإجتماعات الرئيسية كانت تجري في مكتبنا. “الفولار” الأبيض والأحمر أراده سمير قصير… نحن صنعنا الثورة وكنا جزءاً أساسياً من 14 آذار واستمرينا فيها الى حين طرحت مشاريع لا تشبهنا. ويستطرد: آخر إجتماع لي في مقر اليسار الديموقراطي كان عام 2015. جمدت كل نشاطاتنا داخل الحركة التي دخلت في موت سريري. لكن، في لحظة 17 تشرين عدنا ونزلنا جميعاً الى الساحة كأفراد لا كحركة. والتقينا على نفس الأفكار. ونحن نعتبر أن 17 تشرين هي “عامية” 14 آذار. إنها إمتداد لها”.

نعود الى حنا صالح لنسأله: الى حين تشكيل “الكتلة التاريخية” التي تنشدونها، ماذا عن البشر الغاضبين – الغاضبين… الى درجة أنهم أصبحوا شبه مستسلمين؟ يجيب: “يحتاج الناس الى ادوات كفاحية. إنهم يحتاجون الى نقابات فأين هي؟ رئيس الإتحاد العمالي الفعلي هو نبيه بري. وهذا ما عمل له السوريون من أجل قمع أي ثورة. ويستطرد: نلاحظ جميعاً اليأس والضغوطات لدى الناس. السلطة أرادت أن تشغلهم بحبة الدواء والرغيف كما فعل الحجاج بن يوسف لأهل العراق. الشعب اللبناني قاوم وضحى وواجه. والإنقسام لا وليس بين يمين ويسار بل بين جائع ومن يُجوّع”.

كلام كثير. معلومات كثيرة. تفاصيل على هامش التفاصيل. ماذا بعد؟ اليوم تبلغ ثورة 14 آذار سن الرشد. فكيف ينهي وليد فخر الدين ما بدأه؟ يجيب “من ولدوا عام 2005 أصبح عمرهم اليوم 18 عاما. هؤلاء يشكلون اليوم الجيل الجديد، وهم بشكل من الأشكال لا يجدون أنفسهم معنيين بتلك اللحظة التاريخية؟ فلنعمل على تأسيس حالة جديدة من خلال مقاربة أكثر وضوحا.

اخترنا لك