تلقّى “القيصر” الروسي فلاديمير بوتين صفعة “قضائيّة” من العيار الدولي الثقيل أمس، بعدما أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكّرة توقيف بحقه بتهمة ارتكاب “جريمة حرب” على خلفية ترحيل أطفال أوكرانيين بشكل غير قانوني، فيما أصدرت المحكمة أيضاً مذكّرة توقيف بحق المفوضة الرئاسية الروسية لحقوق الطفل ماريا لفوفا بيلوفا.
وسارع الكرملين إلى رفض القرار ووصفه بأنه “باطل” لأنّ روسيا ليست طرفاً في المحكمة الجنائية الدولية، وقال المتحدّث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف للصحافيين إنّ “روسيا على غرار عدد من الدول الأخرى لا تعترف باختصاص هذه المحكمة، وبالتالي من وجهة النظر القانونية، فإنّ قرارات هذه المحكمة باطلة”، بينما رحبت أوكرانيا بـ”القرار التاريخي” للمحكمة الجنائية الدولية، معتبرةً أنّ “هذه ليست سوى البداية”.
ورُحّل أكثر من 16 ألف طفل أوكراني إلى روسيا منذ بدء الغزو في 24 شباط 2022، وفق كييف، ووضع العديد منهم في مؤسّسات ودور رعاية. وأوضحت المحكمة أن مذكّرتَي التوقيف اللتَين صدرتا، جاءتا على خلفية “جريمة الحرب المفترضة المتمثلة في الترحيل غير القانوني لأطفال من المناطق المحتلّة في أوكرانيا إلى روسيا الاتحادية” منذ بدء الغزو.
واعتبر رئيس المحكمة الجنائية الدولية بيوتر هوفمانسكي أن “تنفيذ (مذكّرات التوقيف) يعتمد على التعاون الدولي”، مؤكداً أن اتفاقية جنيف تحظر على سلطات الاحتلال نقل المدنيين. وتأتي مذكّرتا التوقيف غداة إعلان محقّقين تابعين للأمم المتحدة أن نقل روسيا القسري وترحيلها أطفالاً أوكرانيين إلى المناطق الخاضعة لسيطرتها يرقى إلى “جريمة حرب”. وأشار المحقّقون إلى شهادات عن إبلاغ الخدمات الاجتماعية الروسية أطفالاً بأنّهم سيُمنحون إلى أسر حاضنة أو يتمّ تبنّيهم.
ومذكّرة التوقيف بحق بوتين خطوة غير مسبوقة للمحكمة الجنائية الدولية بحق رئيس دولة عضو في مجلس الأمن الدولي. على الرغم من ذلك، سخّف الرئيس الروسي السابق دميتري ميدفيديف القضيّة، وكتب عبر “تويتر” أنّ المحكمة الجنائية الدولية “أصدرت مذكّرة توقيف ضدّ فلاديمير بوتين. لا داعي لشرح أين يجب استخدام هذه الورقة”، مضيفاً رمزاً تعبيريّاً (إيموجي) بصورة ورق الحمّام.
دوليّاً، رأى مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل أن هذا القرار “ما هو إلّا بداية لعملية محاسبة روسيا وزعيمها على الجرائم والفظائع التي يرتكبونها في أوكرانيا”، مؤكداً أنّه “لا يُمكن أن يكون هناك إفلات من العقاب”، في حين رحّب وزير الخارجية البريطاني جيمس كليفرلي بـ”الخطوة التي اتخذتها المحكمة الجنائية الدولية المستقلّة لمحاسبة من هم على رأس النظام الروسي، بمَن فيهم فلاديمير بوتين”.
وجاء الإعلان المفاجئ للمحكمة بعد ساعات من أنباء أخرى من المحتمل أن تؤثر بشكل كبير على حرب روسيا ضدّ أوكرانيا، ومن بينها زيارة مرتقبة للرئيس الصيني شي جينبينغ إلى موسكو الأسبوع المقبل، ومنح المزيد من الطائرات المقاتلة للقوات الأوكرانية، فيما استبقت واشنطن زيارة شي إلى موسكو وأعلنت معارضتها لأي دعوة لوقف النار في أوكرانيا في الوقت الحالي.
وفي هذا الصدد، قال المتحدّث باسم مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض جون كيربي إنّ بلاده لديها مخاوف كبيرة من أن تُحاول الصين تقديم نفسها كصانع للسلام في أوكرانيا من خلال الدعوة لوقف إطلاق النار. واعتبر كيربي أن “أي وقف لإطلاق النار في هذه المرحلة لن يؤدّي إلى سلام عادل ودائم بين أوكرانيا وروسيا”، و”سيكون لصالح موسكو”، بينما أقرّ الكرملين أن الهجوم العسكري على أوكرانيا “طال زمنيّاً بالفعل أكثر مِمَّا كان مخطّطاً له مع بدء الحرب”، لكنّه اعتبر أن النزاع مع كييف تحوّل إلى “صراع مع “حلف شمال الأطلسي” بأكمله”.
وبالعودة إلى زيارة الرئيس الصيني إلى روسيا، كشف المستشار الديبلوماسي للكرملين يوري أوشاكوف أن بوتين وشي اللذَين سيعقدان لقاء ثنائيّاً الإثنين قبل إجراء مفاوضات رسمية الثلثاء سيوقعان “إعلاناً مشتركاً حول تعميق علاقات الشراكة الشاملة والعلاقات الاستراتيجية نحو عصر جديد”. بالتوازي، كشف رئيس الحكومة السلوفاكية إدوارد هيغر أن براتيسلافا ستُسلّم أوكرانيا 13 مقاتلة من طراز “ميغ 29” سوفياتية الصنع، لتُصبح سلوفاكيا ثاني دولة عضو في “حلف شمال الأطلسي” تتّخذ قراراً من هذا النوع بعد بولندا.
في الغضون، أعطى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الضوء الأخضر لانضمام فنلندا إلى “حلف شمال الأطلسي”، تاركاً للبرلمان التركي مهمّة التصديق على الطلب الفنلندي. وقال أردوغان في ختام اجتماع مع الرئيس الفنلندي سولي نينيستو في أنقرة: “قرّرنا بدء بروتوكول انضمام فنلندا إلى الناتو في برلماننا”، في حين رحّب الأمين العام للناتو ينس ستولتنبرغ بقرار تركيا، معتبراً أنّه يجب أيضاً السماح للسويد بالإنضمام إلى الحلف “في أقرب وقت ممكن”.
بدوره، رحّب مستشار الأمن القومي للبيت الأبيض جايك سوليفان بالمصادقة التي تستعدّ تركيا لمنحها لانضمام فنلندا إلى الناتو، وشجّع أنقرة على المصادقة “بسرعة” على عضوية السويد، فيما دعا المجر إلى “استكمال إجراءات المصادقة على انضمام السويد وفنلندا من دون تأخير”، وقال: “تعتبر الولايات المتحدة أن هذَين البلدَين يجب أن يُصبحا عضوَين في الناتو في أسرع وقت ممكن”.