ميلاد جان سيباستيان باخ

Happy Birthday J. S Bach ( Born 21 March 1685 -1750 )

بقلم عمار مروة

نستحضره اليوم ، ليس فقط كأحد أعظم كبار المؤلفين الموسيقيين العالميين ، بل كأهمهم رؤية واعمقهم تدبّراً وسماعاً لأصوات عصره وما بعد عصره بكثير . وربما كأقربهم إلى الله بمفاهيم كنيسته التي قارب بها باخ السيد المسيح وعذاباته موسيقياً بأناجيلها.

رغم تطور وتغيّر مفاهيم التأليف الموسيقى عبر الحقبات والعصور  والهويات سيبقى باخ مصدر أزلياً  للإلهام الذي اشعل طموحات المؤلفين والمؤديين بالإبداع خلال الزمن والعصور عبر إعادة النظر بتراثه الموسيقي والتصرف به بتنبيضه بالمعاصرة في كل مرحلة جديدة أتت بعده وصولاً إلى اليوم مع رواد عالم الجاز الذي يعيدون تنبيض مؤلفاته بما يساهم في إغناء عالمهم الجديد ، على تعدد هوياته وأنواعه.

ترى ، ماذا يجعل تراث وأعمال باخ مادة موسيقية غنية ودسمة لكي يتم استلهامها كنماذج لحنية خام يتناوله بها جميع أنواع الموسيقيين في الشرق والغرب ؟

هل هو شيء موجود في مكوناتها النوعية أو غنى تركيباتها الفنية وتفرّدها بالرؤى العبقرية… أو لعله في كل تلك الصفات مجتمعه ؟ !.
يعتقد كاتب هذه السطور أن تلك الصفات ستبقى تدور مجتمعةً حول صفة السهل الممتنع التي اخترعناها نحن اللبنانيين لنصفها به هي وأمثالها، هل بها نضحت عبقرية باخ وجعلته يخوض هموم التفكير الموسيقي المركب ليتناوله بعمق وغنى متنوع عالج به أسرار التأليف وهي تتلبّس عنصري التأمل والتغيير !.

هل أتته تلك الخواص من إيمانه بأن الموسيقى قادرة على أن تتخطى عنصر الزمن بنقائها وسموها بمن تخاطبه وتتوجه اليه من جهة ( غالباً خاطبت مؤلفاته باخ الخالق ممثلاً بالكنيسة وعذابات السيد المسيح ) ؟

او لعله عرف عبرها كيف يتوجه اليه وهو يتوسّل جماليات الإبداع بتحفيزه لعنصر التأمل وهو يتوازى بالتركيب الموسيقى للغته الموسيقية الجديدة .

ابتدأت لغة باخ الجديدة من العمل على تغيير الانترفال الموسيقي بإلغاء الأجزاء الأصغر عن النصف تون مروراً بتعديل السلم الموسيقي الطبيعي بالسلم الكروماتيكي ، أي سلم الصوت ونصف الصوت فقط ، وربطهما بمرجعتيه الموسيقية كمصدر من مصادر المعرفة ليتوسل بالصلاة والتسبيح والرغبة بالخلاص ، ( كانت الكنيسة تعتقد أن الشيطان يكمن في نشاز انترفالات الثلاثة أرباع الصوتية وما دون ) فحذفها باخ كلها ليخوض بالإنصاف وما فوق قوالب التأليف العديدة بروح جديده طالت تقنيات هارمونية جديده تتوسل التفخيم بالعمل على إعلاء شأن الميلوديات المتوازية فوق بعضها ( بعيداً عن لغة التونال ) لتتحدد بذلك معالم حقبته الموسيقية المعروفة بِـ “الباروك”.

هذا التوق الروحي لمعالجة التجديد والإبداع بخوض التفكير من جذوره على سلم موسيقي جديد بمفردات أبجدية لغة موسيقيةً كان هو أكثر من طرقها موسيقياً بكل الوسائل والعناصر والقوالب الموسيقية التي لم تكن معروفة بتلك الفترة كما صارت بعده.

عوالم صوتيه ابتكرها باخ وطورها من فوضى ما كان سائداً في المتاح وقتها ، حيث أزاح أولاً والى الأبد كل ما تحت أنصاف التون خارج التداول ، وحصر الديوان الغربي بالإنصاف كأصغر جزء مما أدى به ذلك إلى تصميم آلته الشهيرة المنتشرة اليوم باسم “البيانو فورتي “التي عليها ارتكزت كل أسس ونظريات التأليف والعلوم الموسيقية الكلاسيكية الغربية كما نستعملها اليوم بكثافة على آلته هو بالذات فتحددت بها كل علوم التأليف الموسيقي الأساسية التي ما زالت الته البيانو فورتي أهم الآلات التي يمكن أن تؤديها بالتفصيل اكثر من غيرها.

أدى هذا لأجمل منجزاته التي احتفلت بأنسجة بوليفونية مركبه بأجمل فنون التركيبات الكونتربانطية والبوليفونيه التي رفعت رايات الهرمونيات  المعروف بالمودال والتي مكّنته من إرساء فن تقنيات الفيوج الذي كان لباخ تحديداً فضل تطويره و إرسائه على أساس ما نعرفه اليوم !.

لعلنا لن نستطيع أن نعدد ونتوسل كل مصادر الخلود والإلهام التي تركها باخ لمن بعده من الموسيقيين الذين وجدوا مؤلفاته جاهزة مرتّبه وموضّبه بهذا العمق وسهولة التناول لكي يتداولون به كنماذج يحتذى بها للتأليف والكتابة على أجمل ما يكون عليه الغنى والتنوع والعمق والذي سيبقى العمل عليه حتى إلى الأبد.

بهذا سيبقى باخ اقرب المؤلفين الموسيقيين إلى الفكر  التركيبي الخلاق من جهة… واقربهم إلى الخالق الذي لم يتعب باخ من مخاطبته بكل ما أوتيت به منجزاته من موهبة وعمق وتفكير سخّرها كلها بإخلاص وتفاني شفافية وعبقرية ليسلك بها نحو الله  بما يشبه الكمال !.

لعل الرب إذا أراد يوماً ما أن يختار أو يصطفي ممثلاً أو سفيراً أو شفيعاً له بين المؤلفين الموسيقيين الكبار فهو حتماً لن يتردد ابداً باختيار باخ ، لأنه أحد أهم المؤلفين الذين توسله بالفكر والعقل الموسيقي الاسمى ، بإنجازاته وعلى هدى تلك الأناجيل الغنية بتفاصيل روايات عذاب السيد المسيح.

لقد توسلت موسيقى باخ كل ذلك بفخامة وعمق التأليف الموسيقي كماً ونوعاً وخصوصاً على آلته التي ما زلنا حتى اليوم نعتبرها كموسيقيين أهم آلات وأكثرها قدرة على مخاطبة العقل الموسيقي .

سيبقى باخ أيضا صاحب العدد الأكبر من المؤلفات المميزة بروح السهل الممتنع والمركبة بتجديداته بفكر البناء الهندسي المكلل بالزخرفة السيمترية والظلال والألوان اللحنية والظلال الهارمونية ذات الأصداء المتوازية بترجيع اللحن بمثيله الأفقي والمتوازي بأخيه ، كل هذا بما لا يحتمل الخطأ ولا أي هفوه أخرى  من إغراءات السهولة التي تؤدي إلى أي نوع من أنواع الثرثرة في التأليف التي قد تؤدي إلى الضحالة ولو بنوته واحده فاضت عن لزومها في النص الموسيقي التي أبدعته مؤلفات هذا الرجل العظيم باخ !.

اخترنا لك