هل تنفع الصلاة بعد اليوم في لبنان ؟

بقلم د. ميشال الشماعي

تقرّر يوم الصلاة في الخامس من شهر نيسان / ابريل المقبل في بكركي، وذلك على قاعدة الرياضة الرّوحيّة بمباركة البطريركيّة المارونيّة التي عزمت أن تجمع النوّاب المسيحيّين في يوم صلاة علّها تصل إلى حلّ للمعضلة السياسيّة.

وعلى ما يبدو أنّ إصرار البطريرك الرّاعي على مسحنَة الأزمة هو في غير محلّه. إذ ماذا ينفع إن اتّفق المسيحيّون على اسم رئيس للجمهوريّة وعارضه قسم كبير من المسلمين ؟ وما هي الضمانة في تأمين الميثاقيّة للعمليّة الانتخابيّة؟ ومَن سيسبق: يوم الصلاة في بكركي أم يوم الغضب في الشارع ؟

اختلاف المشاريع

مقاربة هذا اليوم من قبل الفريق الأكثر تمثيلاً في الشارع المسيحي قد أسقطت أبريوريًّا أيّ مفعول سياسيّ قد يحمله، إذ بدا واضحًا رئيس حزب القوّات اللبنانيّة حين ألمح في كلمته حول هذا اللقاء عن انّ الدّعوة هي للنوّاب المسيحيّين؛ وبناء عليه سيشارك نوّاب تكتّل الجمهوريّة القويّة في هذا اللقاء للصلاة من أجل لبنان. لكن حذارِ من استغلال وجود تكتّل الجمهوريّة القويّة في هكذا لقاءات بصور جانبيّة، وفبركات همايونيّة لإطلاق مواقف سياسيّة معروفة الوجهة والاتّجاه سلفًا.

فما بات مؤكّدًا ألّا خلاف بين المسيحيّين على اسم الرّئيس، لكن الخلاف بين اللبنانيّين. وفي هذه المسألة نقطة إيجابيّة تسجّل للبنانيّين جميعهم حيث نجحت انتخابات 2022 بإعادة فرزهم خارج الاصطفاف الطائفي والمذهبي فبات الانقسام بين مشروعين اثنين :

– مشروع يريد لبنان الدّولة السيدة الحرّة والمستقلّة التي تؤمّن العيش الرّغيد لأبنائها كلّهم على اختلاف انتماءاتهم عملاً بتطبيق الدّستور اللبناني. وهذا المشروع مستعدّ للبحث في كيفيّة تطوير الصيغة اللبنانيّة على قاعدة احترام التعدّديّة المجتمعيّة الهوّيّاتيّة الكيانيّة التي تعتبر عماد هذه الصيغة؛ وذلك بهدف الوصول إلى دستور قابل للتطبيق يمنع سلبطة وهيمنة أيّ مجموعة حضاريّة على غيرها من مجموعات هذه الصيغة اللبنانيّة.

– مشروع لا يريد أيّ دولة إلا تلك التي تنبثق من قناعاته الإيديولوجيّة وخارج النّظام العالمي تحت ذرائع مختلفة تبدأ بمقاومة العدو الإسرائيلي، ولا تنتهي بإسقاط الإمبريالية والاستكبار العالمي المتمثّل بهيمنة الولايات المتّحدة الأميركيّة والذي يتجلّى بأبهى حلّة في توقيع اتّفاق تطبيع تحت ذريعة ترسيم الحدود مع العدوّ الإسرائيلي الذي تمّ الاعتراف بوجود دولته وتوثيق هذا الاعتراف في أعلى مرجعيّة أمميّة.

وهذا ما يؤكّد أنّ الاصطفاف الطّائفي الذي نجحت بتثبيته منظمة حزب الله عبر اختطافها التمثيل البرلماني بالترهيب والترغيب؛ ما جعل مفتاح الميثاقيّة المزعومة وغير المنصوص عليها في الدّستور اللبناني بيدها بفعل هيمنتها على القرار بقوّة السلاح. فيما الحقيقة في مكان آخر. وذلك لأنّ القاعدة الميثاقيّة قامت على احترام الشراكة المسيحيّة الإسلامية من دون الدّخول في التفريعات المذهبيّة للأديان.

الميثاقيّة المموّهة

الضمانة الميثاقيّة موجودة بحسب القاعدة التمثيليّة لمختلف الأطياف. ولا يمكن حصرها فقط في تمثيل الثنائي الصلب. وذلك بحسب ما ورد في البند ” ي” من مقدّمة الدّستور اللبناني: ” لا شرعية لأي سلطة تناقض ميثاق العيش المشترك”. لكن الواقع الذي نجح هذا الثنائي بفرضه تمهيدًا لبناء صيغة سياسيّة، تثبّت هذا العرف في الدّستور، إنّما كان بفعل خضوع جماعة عون -باسيل لشروطه طمعًا بما أغدقته عليهم منظمة حزب الله من مراكز في الدّولة، تحت ذريعة استرجاع حقوق المسيحيّين. فيما سرعان ما تبيّن أنّ ذلك كلّه كان رشى للسكوت على اغتصاب الدّولة من قبل الدّويلة.

ويبقى اليوم أنّ عامل الاستقرار الاجتماعي هو الهمّ الأكبر بالنسبة إلى اللبنانيّين جميعهم. ينامون على سعر صرف للدولار وللمحروقات والسلع ويستفيقون على أسعار مختلفة. لا بل قل الاختلاف في النهار نفسه. فيما تجهد الممانعة في لبنان على عدم السماح للشارع الذي ما زال حاضنًا لمشروعها بالتفلّت، لأنّ أيّ انفجار مجتمعي لن يكون لمصلحة هذا الفريق. لكن على ما يبدو أنّ ذلك لن يستمرّ إلى ما لا نهاية. فالصراع القائم لإسقاط حاكم مصرف لبنان، مالك الصندوق الأسود الخاص بالمنظومة، هذا الصراع يتضارب مع مشروع ضبط الشارع.

فمنظمة حزب الله حريصة على عمليّة الـ Fine Tuning في هذه المعركة، لأنّها مدركة سلفًا أنّ أيّ خطوة ناقصة ستؤدّي بها إلى الهلاك. وهي بالطبع ليست مستعدّة للمغامرة كرمى لعيني الوزير باسيل، الساعي لتبييض صورته في معركة الحاكم والحكم. وفي الوقت عينه تجهد بكركي في مساعيها لجمع المسيحيّين ظنًّا منها أنّ هذا الاجتماع قد ينجح بالتوصّل إلى تسوية رئاسيّة تنتج انتظامًا جديدًا لمؤسّسات الدّولة؛ بدءًا برئاسة الجمهوريّة.

التفخيخ محتمل

ما بين هذين السباقين، احتمال كبير من أن يتعرّض اجتماع بكركي لعمليّة تفخيخ داخليّ من قبل محور الممانعة عبر تحريكها الشارع. وهذا ما قد يكون العائق الوحيد. ولن يشكّل دافعًا لاجتماع كهذا، بل سيتحوّل مادّة إعلاميّة للشماتة والسخرية في ظلّ هذا الواقع المأسوي الذي وصلنا إليه.

الصلاة مطلوبة في كلّ حين. لكنّ الصلاة وحدها لن تقدّم أيّ شيء للبنان. لذلك المطلوب تنفيذ الأجندة التي وضعتها بكركي في 27 شباط / فبراير 2021 بالعمل على تنفيذ مؤتمر دولي لإقرار حياد لبنان وانتزاعه كلّيًّا من الأتانين الملتهبة التي نجحت منظمة حزب الله بزجّه وسطها. ويكفي بكركي انتظارًا لبعض الساسة المسيحيّين بهويّتهم فقط، والطهرانيّين بالتزامهم السياسي الأيديولوجي.

القافلة يجب أن تسير، مهما علا النّباح حولها وعليها. بغضّ النظر عن إيجابيّة هذه الخطوة بالشكل، إلا أنّ مضمون النقاش قد لا يكون بنّاءً لأنّ المشاريع واضحة، والالتزامات أوضح. وبما أنّ الجوّ العام متّجه نحو التهدئة إقليميًّا بعد الاتّفاق السعودي – الإيراني يجب اقتناص هذه الفرصة، في اللحظة التي ستمارس فيها الجمهوريّة الإسلامية التقيّة الدّبلوماسيّة لتدخل المنطقة عبر أذرعها في ثلاجة الانتظار السياسي، ريثما تحقّق خرقًا ما في مكان ما.

الولادة الجديدة

المطالبة بالاجتماع شيء محمود، لكن النيات مفضوحة ومعروفة. لذلك، لا يحتمل أحد في لبنان أيّ مضيعة للوقت. الخرق لن يأتي من بوّابة المسيحيّين التي لم تقفل يومًا حتّى بوجه الذين تجرّؤوا على إهانة البطريرك صفير في الخامس من تشرين الثاني / نوفمبر 1989. بل الخرق يجب أن يكون وطنيًّا سياديًّا وإلا لن يكون. فلترفع الصلوات على هذه النيّات، وإلا فلنحضّر كفن هذا الوطن، ولنهيّئنّ مُلَاءً للولادة الجديدة.

اخترنا لك