كواليس الإجتماع الفرنسي – السعودي : مقايضة فرنسية ومواصفات سعودية

بقلم طارق أبو زينب

يبدو أن لبنان في وضع أسوأ اليوم، بعد الانهيار الإقتصادي والاجتماعي وتداعيات إنفجار مرفأ بيروت المدمر وعدم تحقيق العدالة، وإشكالية الفراغ الرئاسي ومظاهر الدولة المستقيلة، و تعنت وابتزاز الثنائي الشيعي وحلفائهم، وأخذ لبنان رهينة لتكريس اعراف جديدة لا تخدم لبنان وإنقسام القوى السيادية اللبنانية، والقوى المسيحية التي اكتسبت حقوقا من إتفاق الطائف، ومناورة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون على الطريقة اللبنانية عديمة الجدوى التي عومت سياسيين لبنانيين فاسدين وأضعفت زخم الثورة، وقد منح التدخل الفرنسي وقتًا للنخبة السياسية اللبنانية للقضاء على الزخم الذي اكتسبته حركة الاحتجاج بعد إنفجار المرفأ.

وقد وجّه كثيرون، في وقت لاحق، الى الرئيس الفرنسي تهمة عقد صفقة مع “حزب الله”، “و إتفاق مع رجال اعمال لبنانيين ” بعد إنفجار مرفأ بيروت ، وموافقتهم على حماية مصالح عدّة لفرنسا في لبنان لقاء تسويق فرنسي لسليمان فرنجية لمقعد رئاسة الجمهورية، و طمعاً فرنسيا للحصول على صفقات اقتصادية لبنانية والدخول إلى السوق السورية والإيرانية والى اسواق عدة دول ابرزها نيجيريا ، وهو ما تكرر في العراق أيضاً من خلال مشاريع لشركة توتال بـ27 مليار دولار.
ماكرون شريك الطبقة الفاسدة؟

لم يف ماكرون بوعده الذي قطعه على نفسه لضرورة تغيير “القيادة السياسية ” في لبنان و”إزاحة” السياسيين الذين يعرقلون الإصلاحات التي يطالب بها صندوق النقد الدولي والمانحون من أجل خطة إنقاذ تأجلت طويلاً والتي يحتاجها لبنان بشكل عاجل إذ يعاني الشعب اللبناني من أزمة اقتصادية حادة بعد ان أصبح اللبنانيون في حال فقر، بعد أن فقدت الليرة اللبنانية أكثر من 90% من قيمتها.
يسأل مراقبون ، من اعطى مشروعية الرعاية الفرنسية للبنان ؟ ومن الذي كلف ماكرون حل الازمة اللبنانية؟ ولماذا تزعم فرنسا أن تدخلها بسياسة لبنان حاجة عربية ؟ فهي بكل هذا توحي بأنها تمتلك حلا للأزمات اللبنانية .
لجأت فرنسا في الاجتماع الاخير الثنائي الفرنسي – السعودي إلى تسويق فكرة المقايضة والتسويات ، إذ بقي الفرنسيون على تمسكهم بتبني طرح اسم فرنجية، الحليف للثنائي الشيعي حزب الله وحركة أمل ، لرئاسة الجمهورية .
الطرح الفرنسي يتناقض مع مبادره ماكرون السابقة للحل منذ 2020 والتي انطلقت بتهديدات علنية لبعض المسؤولين اللبنانيين بعد انفجار مرفأ بيروت.
لدى فرنسا أولويات ومصالح لا تتوافق مع الثوابت السعودية ،لذلك أصر السعوديون على رفض هذه المعادلة والتمسك الثابت بمنطق المعايير و المواصفات ،وعدم المقايضة بتمرير الاستحقاق بأي ثمن ،لأن هوية رئيس الجمهورية سترسم طريقة لتعاطي الخارج مع لبنان في الأعوام الستة المقبلة . فالرئاسة مرتبطة بجملة ملفات لبنانية واصلاحات ، تبدأ بانتخاب رئيس انقاذي ومعالجة شاملة للأزمة الاقتصادية والمالية والسياسية والقضائية.
موقف السعودية الثابت

ثمة من يقول في بيروت ، ان اللبنانيين تأملوا كثيرا من موقف السعودية الثابت والإنقاذي تجاه لبنان ومن اهتمامها بمحطة الاستحقاق الرئاسي اللبناني . فالسعودية لم تتخل يوما عن مسؤولياتها تجاه الشعب اللبناني منذ تأسيس لبنان حتى يومنا هذا ، مما يعزز بناء منظومة العمل العربي المشترك . هذا الموقف يتوّج حزمة الثوابت السعودية تجاه لبنان، و انحيازها إلى مؤسساته الدستورية .
وثمة من يقول في باريس ، ان الإجتماع الفرنسي – السعودي قد انتهى على اللا إتفاق ، فيما يفترض أن يبقى التواصل قائماً . في حال عدم تحقيق أي تقدم ، واستمرار العناد الفرنسي ، وتعنت الثنائي الشيعي وحلفائهم ،فهذا يعني أن الأزمة اللبنانية مرشحة لأن تطول ولن يكون هناك إنتخاب رئيس.
شارك في اجتماع باريس الاخير المستشار في الديوان الملكي نزار العلولا ، الذي يتميز بالهدوء والصدق و الالتزام بما يعمله إلى حين إنجازه ، والمكلف بمتابعة الملف اللبناني . كما شارك في الاجتماع السفير السعودي الناجح في لبنان وليد بن عبد الله بخاري عن الجانب السعودي ، ومستشار الرئيس الفرنسي للشؤون الشرق الأوسط السفير باتريك ،وآخرون لبحث الوضع في لبنان .
رئيس لمحور الممانعة

يقول مراقبون ان فريقا كبيرا من النواب اللبنانيين يعتبر أن وصول رئيس موال لحزب الله يعني تكرار تجربة الرئيس السابق ميشال عون التي تسببت بالويلات للبنان وشعبه ، وان وحزب الله مستمر بعرقله انتخاب رئيس للبنان ، منتظرا موقف حلفائه في الداخل و الخارج ، أو لجلاء صورة الاتفاق السعودي – الايراني .
وقالت مصادر مطلعة ان المشهد الأبرز يكمن في إخفاقات بعض الزعماء اللبنانيين و صعود ضعفاء المسيحيين إلى السلطة وتبنيهم لثقافة ” محور الممانعة ” وقد نتج فساد ممنهج و إنحطاط في خطابهم و تحولوا إلى أداة للإحتلال الإيراني في لبنان .
واضافت المصادر المطلعة ، أن المسيحيين أصبحوا الآن قاب قوسين أو أدنى من الوقوع في أسوأ أنواع العبودية ، بعد ان كانوا جسراً للحضارة بين الغرب والشرق ، خاصة بعد غياب رأس حربة السيادة اللبنانية وعراب المصالحة بين اللبنانيين – البطريرك الماروني الراحل الكاردينال مار نصر الله بطرس صفير ، الذي لعب دورا محوريا في إتفاق الطائف و تاريخ لبنان الحديث ،كما شكل علامة فارقة في تاريخ الكنيسة المارونية اللبنانية .
وتضيف المصادر المطلعة ،ان على اللبنانيين مساعدة انفسهم ، للرجوع الى الحضن العربي وانتخاب رئيس لبناني شريك متعاون مع المجتمع الخليجي والعربي من اجل مساعدة لبنان واخراجه من ازمته .
الرياض تريد مواصفات

أكد رئيس جهاز الإعلام والتواصل في حزب القوات اللبنانية شارل جبور في حديث لـ”جسور “، ان باريس تحاول البحث عن تسوية في لبنان باي ثمن ، وفيما الرياض تتشدد في المواصفات إنطلاقا من ان المرحلة التي وصل اليها لبنان تتطلب انقاذا وليس مسايرات والمراوحة في دائرة الفشل نفسها . والانقاذ له شروط وفي طليعة هذة الشروط تشكيل سلطات دستورية ، ” رئيس جمهورية ،رئيس حكومة وحكومة متجانسة ،متعاونة ،متكاملة ، ” لديها الخلفية الاصلاحية والسيادية و قادرة على إعادة ربط لبنان بالخليج العربي واعادة وضع سياسات داخلية تمكن لبنان من عبور هذة الازمة، بدءا من فرملة الإنهيار وصولا” إلى الخروج منه . فلا يمكن إعادة استنساخ السياسات ذاتها التي اوصلت الى ما وصلنا اليه ، ولذلك لا يمكن الذهاب الى تسوية بالحد الادنى وفق ما تسعى اليه باريس ووفق ما تسعى اليه بعض القوى في لبنان ، لان بالنسبة الينا ليست مجرد انتخاب للانتخاب ، نحن وسط أزمة ولكل أزمة مقاربة مختلفة. نحن اليوم بحاجة الى مقاربة شاملة بسلطات قادرة على اخراج لبنان من الوضع المأسوي الذي هو فيه ، ولذلك الرياض متشددة في المواصفات ، فضلا” عن أن باريس من المستغرب انها حاولت من خلال الدكتور مصطفى أديب وإصطدمت بالمنظمومة التي منعتها من الذهاب قدما” بتشكيل حكومة قادرة على امساك زمام الامور لان المنظومة تريد مواصلة الامساك بمفاصل السلطة ليبقى لبنان في الحالة الكارثية.
الرياض ورؤية اللبنانيين

اضاف جبور ، لا يمكن الخروج من الازمة المالية والسياسية سوى من خلال رئيس جمهورية يسهر فعلا على الدستور وليس قولا اي ان يلتزم بالدستور اللبناني وان يكون رئيس الحكومة والحكومة المؤلفة ايضا حريصة كل الحرص على الدستور وكل منطق المقايضات رئيس حكومة لهذه الفئة ورئيس حكومة لفئة اخرى لم يعد يصح هذة كانت في مرحلة سابقة ، نحن اليوم في زمن اخر لا يمكن ان تكون السلطات متعارضة ومتباعدة ومتقاتلة ترسم المتاريس بين بعضها البعض ، هذة التجربة جربت وكانت فاشلة نحن بحاجة لتجربة مختلفة لاخراج لبنان من الانهيار اي الوصول الى سلطات متجانسة ، متكاملة ،متعاونة ، وليس متصادمة ومتواجها ولذلك المطلوب وبإلحاح الذهاب الى مواصفات وطبعا ما تقوله الرياض تلتقي قوى المعارضة بكل اطيافها معه في لبنان لجهه ضرورة ان يكون المعيار الولاء والإنتماء للبنان واولوية الدولة واولوية المشروع اللبناني واولوية تطبيق اتفاق الطائف واولوية الالتزام بالدستور والقوانيين المرعية وليس ابقاء لبنان مسرحا وساحة وعدم الالتزام باي شي له علاقة بالدستور والقوانيين المرعية طبعا نحن نشكر اي حرص على لبنان ولكن نتمنى ان يكون هذا الحرص من اي دولة انطلاقا من المرجعيات الدولتية المعروفة اي انطلاقا من مرجعية الدستور اللبناني اي اتفاق الطائف وانطلاقا من الشرعية العربية والدولية.

اخترنا لك