ما العلاقة بين خطف الدبلوماسيين الإيرانيين واغتيال حبيقة ؟
بعد اعتراف قائد الحرس الثوري بمقتلهم وبعد نفيه
بقلم نجم الهاشم
بعد 41 عاماً على اختفاء أربعة «دبلوماسيين» إيرانيين في لبنان، منذ 4 تمّوز 1982، وبعد فرض إيران أجواء من الغموض والتضارب في المعلومات حول قضيتهم وتأكيدها الدائم أنّهم لا يزالون أحياء، وأنّهم محتجزون في إسرائيل، وضع «الحرس الثوري» حدّاً للروايات حول مصيرهم عندما استخدم قائده حسين سلامي عبارة «الشهيد» في حديثه عن القيادي أحمد متوسّليان خلال لقائه أسرته يوم السبت أول نيسان الحالي.
أحمد متوسّليان هو أحد الإيرانيين الأربعة وهو لم يكن دبلوماسياً بالمعنى الحقيقي، إنّما كان قيادياً في الحرس الثوري أرسلته إيران إلى سوريا لينتقل إلى السفارة الإيرانية في بيروت. ونقلت مواقع «الحرس الثوري الإيراني» عن سلامي قوله إن «متوسّليان أول شهيد إيراني في طريق فتح القدس»، وذلك في اعتراف اعتبر أنه نادر وخارج عن المألوف الإيراني في التعاطي مع هذه القضية ويتعارض مع رواية السلطات الإيرانية ببقاء الإيرانيين الأربعة على قيد الحياة في السجون الإسرائيلية.
مهمة في بيروت
كان متوسّليان قائداً ميدانياً في الحرس الثوري شارك في معارك ضد المعارضين الأكراد، وعلى الجبهة في الحرب مع العراق، قبل أن يُكلَّف بالذهاب إلى بيروت لتدريب قوات «حزب الله» ولحماية السفارة الإيرانية بعد شهر تقريباً على بدء الإجتياح الإسرائيلي للبنان في 6 حزيران 1982.
كان يرافق متوسليان القنصل الإيراني محسن موسوي، ومراسل الشؤون العسكرية لوكالة الأنباء الرسمية (إرنا)، كاظم إخوان، وكذلك مساعده مسؤول التدريب في «الحرس الثوري» تقي رستكار مقدّم. بسبب التطورات العسكرية على الأرض ووصول الجيش الإسرائيلي إلى مشارف بيروت، وقطع طريق بيروت – دمشق اختار الأربعة سلوك طريق عيناتا الأرز بشري نزولاً إلى كوسبا ومنها إلى الكورة وبيروت، وكانت ترافقهم دورية من أمن السفارات في قوى الأمن الداخلي. عند وصولهم إلى حاجز البربارة بعد اجتياز حاجز المدفون، تمّ توقيفهم ونقلهم إلى المجلس الحربي في الكرنتينا حيث تسلّمهم جهاز الأمن في «القوات اللبنانية»، وكان برئاسة إيلي حبيقة.
هذا الجزء من الرواية معروف ولكن ما بعده هو الذي كانت تحيط به الألغاز التي لم يكن من السهل كشفها أو اعتراف إيران بها. ولذلك جاء كلام قائد الحرس الثوري ليلقي الكثير من علامات الإستفهام حول توقيته وحول انعكاساته على هذه القضية المرتبطة بقضايا أخرى ظلّت عالقة معها. بعد ثلاثة أيام تراجع «الحرس الثوري» الإيراني عن تأكيد مقتل متوسّليان، وقال المتحدث باسمه رمضان شريف إنّ قواته لا تزال تجهل مصير القائد الميداني السابق ومرافقيه. إلا أنّ هذا التراجع لم يلغِ مفاعيل الإعتراف وطرح أسئلة حول تأخر صدوره.
المصير الذي كان مجهولاً
على مدى 41 عاماً، ظلّت إيران تنفي مقتل الأربعة وتصرّ على أنّهم محتجزون في إسرائيل. ولكن على مدى تلك الأعوام لم تعترف إسرائيل بأنّهم عندها، وبعدما حصلت أكثر من عملية تبادل للأسرى بينها وبين «حزب الله»، لم يتمّ وضع هؤلاء على لوائح التفاوض. وبقيت إيران تعتبر أنّ إسرائيل ترفض الإعتراف بوجودهم عندها، لأنّها تربط ملفّهم بملفّ اختفاء طيّارها رون أراد الذي كانت احتجزته قوة من حركة «أمل» بعد سقوط طائرته خلال غارات في الجنوب، ثم تسلّمه «حزب الله» بعد انشقاق مسؤول أمن «الحركة» مصطفى الديراني والتحاقه به. وعلى رغم أنّ إسرائيل خطفت الديراني من بلدته قصرنبا في البقاع، إلا أنّها لم تستطع أن تحلّ لغز طيارها المفقود، وعادت وأطلقت الديراني في صفقة تبادل مع «الحزب».
في المعلومات الرسمية عن هذه القضية يبقى المرجع تقرير لقوى الأمن الداخلي اللبناني بتاريخ الحادث ورد فيه أن «مسلّحين حزبيين أوقفوا على حاجز البربارة المستشار الأول في سفارة الجمهورية الإسلامية الإيرانية في لبنان السيد محسن الموسوي، الذي كان عائداً من البقاع إلى بيروت، مع ثلاثة من موظفي السفارة، ترافقه قوّة من جهاز أمن السفارات. المسلّحون أطلقوا القوة المواكبة، واحتفظوا بالدبلوماسيين الأربعة، ونقلوهم إلى أحد المراكز الحزبية. والدبلوماسيون هم، إضافة إلى الموسوي، الملحق العسكري أحمد متوسّليان، والمصوّر والمراسل الحربي كاظم إخوان، والسائق تقي رستكار». بين هذا التوصيف المعطى من قوى الأمن الداخلي وبين حقيقة مهمّات الأربعة، تبقى فوارق كثيرة من خلالها يمكن فهم طبيعة الموقف الإيراني المتابع لقضيتهم.
الغموض والإنكار
في واقع التوصيف والإشكالات المرافقة لهذه القضية، أنّ حاجز البربارة كان تابعاً لقطاع الشمال في «القوات اللبنانية» بقيادة سمير جعجع. ولذلك أرادت إيران مع «حزب الله» إلصاق تهمة الخطف به مع طرح علامات استفهام حول مصير الأربعة. ولكن بحسب المعلومات، تمّ نقل الأربعة إلى جهاز الأمن الذي كان برئاسة إيلي حبيقة، ولم يكن بعد ذلك أي تدخّل لسمير جعجع في هذه القضية. ومع أن وفداً من أهالي الأربعة قابل جعجع بعد انتهاء الحرب، وعلى رغم أنّه نفى أي علاقة له بهذه القضية، إلّا أنّ إيران رفضت أن تصدّق.
في تلك المرحلة كان إيلي حبيقة قد خرج من المناطق الشرقية بعد إسقاط «الإتفاق الثلاثي» في 15 كانون الثاني 1986، وانتقل إلى التحالف مع سوريا، ولم يُفتح هذا الملفّ معه ولم يكن باستطاعة «حزب الله» وإيران تجاوز الموقف السوري. حتى أن حبيقة صار نائباً ووزيراً بعد العام 1991 وكان على «حزب الله» أن يتحالف معه في انتخابات العام 1996 في قضاء بعبدا. كان «الحزب» وإيران يغطّيان على مسألة تمسّكهم برواية بقائهم على قيد الحياة من خلال الإدعاء أنّ جعجع بعد تسلّمه قيادة «القوات»، كان الأربعة لا يزالون في سجن جهاز الأمن، وأنّه تسلّمهم منه ثم سلّمهم إلى إسرائيل قبل انتهاء الحرب. وهي رواية لا يوجد أي دليل عليها، خصوصا أنّ جعجع قام بإطلاق كلّ الذين كانوا معتقلين في جهاز الأمن وقتها لإنهاء هذه الملفّات التي كانت تلصق بـ»القوات اللبنانية».
كتاب “كوبرا”
ولكن في العام 2000 حصل ما لم يكن متوقعاً، وعاد ملف الإيرانيين الأربعة إلى الضوء. في ذلك العام نشر روبير حاتم، مرافق حبيقة، في باريس كتاباً تحت عنوان: «في ظل إيلي حبيقة من إسرائيل إلى دمشق»، يروي فيه محطات من سيرة حبيقة، ويكشف معلومات عن عدد من القضايا التي كانت تلفّها الألغاز في الحرب، وتحدّث عن قضيتين أساسيتين تتعلّقان بملفّين مفتوحين هما ملفّ مجزرة صبرا وشاتيلا، وملف الإيرانيين الأربعة. فحمّل حبيقة مسؤولية المجزرة، وقال إن الدبلوماسيين الايرانيين الأربعة قُتلوا جميعاً بعد توقيفهم في جهاز الأمن، ودُفنوا في منطقة الكرنتينا، في سراديب مبنى الأمن التابع لحبيقة، وأن جثثهم أُحرقت بالكلس، ثم نُقل ما تبقّى منها وألقي في «وادي الجماجم» في أعالي جبل صنين، وفي المناطق الوعرة في ضهور عشقوت في كسروان.
لا شك في أن إيران و»حزب الله» حاولا التأكد من هذه المعلومات الصادرة عن شخص يُعتبر أنه كان يعرف. ولكن أيضاً لم يحصل أي إقرار إيراني بهذا الأمر.
إغتيال حبيقة واتهام إسرائيل
في 24 كانون الثاني 2002 اغتيل إيلي حبيقة في الحازمية مع ثلاثة من مرافقيه بانفجار سيارة مفخخة استهدفت موكبه بالقرب من منزله في أول حادث أمني بهذا الحجم منذ انتهاء الحرب اللبنانية أواخر العام 1990. وتوجّهت الاتهامات اللبنانية فور وقوع الحادث، الذي دلّت وقائعه على احتراف شديد في التخطيط والتنفيذ، إلى إسرائيل التي اتّهمها الرئيس إميل لحود صراحة بالسعي لمنع حبيقة من الادلاء بإفادته أمام المحكمة البلجيكية التي تنظر في اتهام رئيس الوزراء الاسرائيلي أرييل شارون بالضلوع في مجزرة صبرا وشاتيلا عام 1982. لكن بياناً مجهول المصدر، أُرسلت نسخة منه إلى مكاتب جريدة «الشرق الأوسط» في بيروت، تبنّى تنفيذ «حكم الاعدام بحقّ العميل السوري إيلي حبيقة». وحمَل البيان على سوريا والدولة اللبنانية موجِّهاً تهديدات للوجود السوري في لبنان. ويظهر كأن هذا البيان كان للتضليل وإبعاد الشبهات عن المنفّذين الحقيقيين.
وفي تفاصيل الحادث أن عبوة ناسفة، قدّر الخبراء زنتها بعشرين كيلوغراماً من المواد الشديدة الانفجار، انفجرت لدى مرور سيارة حبيقة، وهي من طراز «رانج روفر». ورجحت مصادر أمنية أن يكون التفجير بواسطة جهاز تحكّم عن بعد. وما زاد في قوة الانفجار وجود قوارير أوكسيجين في سيارة حبيقة يستعملها لممارسة رياضة الغطس حيث كان في طريقه لممارسة هذه الهواية.
وأشارت المعلومات إلى أنّ العبوة كانت موضوعة في سيارة من طراز مرسيدس أُوقِفت على مسافة نحو 150 متراً من منزل حبيقة في محلة الحازمية. وقد أزيلت الأرقام المتسلسلة عن محرّكها وهيكلها. وكان من اللافت أنّ مفوّض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي نصري لحود، الذي كشف على موقع الجريمة، اتهم فوراً ومباشرة اسرائيل بالوقوف وراءها، من دون أن يكون أجري أي تحقيق بعد. بعد ثلاثة أعوام أحيلت القضية إلى المجلس العدلي، وكانت بدأت عمليات الإغتيال التي استهدفت الرئيس رفيق الحريري وعدداً من قيادات 14 آذار. وكان لافتاً أنّ طريقة اغتيال حبيقة كانت تشبه بعض هذه الإغتيالات، كمحاولتي اغتيال الوزيرين مروان حماده والياس المر، واغتيال النواب جبران تويني ووليد عيدو وأنطوان غانم، ثم اغتيال الرائد وسام عيد، واللواء وسام الحسن والوزير محمد شطح.
التحقيق الضائع
على رغم مرور أكثر من 21 عاماً على اغتيال حبيقة واتهام إسرائيل بالعملية والإدعاء أنّها نفّذتها لمنعه من الإدلاء بشهادته أمام المحاكم البلجيكية في قضية صبرا وشاتيلا، لم تتوفّر أي معلومات تؤكّد هذه التهمة. ولم تعرف بعد ذلك أهمية الإفادة التي كان سيدلي بها حبيقة أمامها. بعد اغتياله مباشرة تمّ تنظيف مسرح العملية ودخل الملفّ طيّ النسيان كغيره من الملفّات. بعد الإعتراف الإيراني بمقتل الدبلوماسيين الأربعة، قبل أن يتم نفيه لتدارك مفاعيل الإعتراف، هل يمكن أن يُعاد النظر في قضية اغتيال حبيقة وربطها بهذه القضية خصوصاً أنّ طريقة التعاطي معه اختلفت بعد كتاب كوبرا فسقط في انتخابات العام 2000 عندما رفض «حزب الله» أن يكون معه على لائحة واحدة حتى في الصورة، واستُبعد من الحكومة التي تشكلت بعدها؟
يروي أحد المتابعين لملف الإغتيال، أن شخصية تربطها بحبيقة علاقة قربى عائلية سألت رئيس جهاز المخابرات السورية في لبنان اللواء غازي كنعان عن الجهة التي تقف وراء العملية فنصحها بالإهتمام بأمورها العائلية وعدم البحث في هذا الموضوع.