بقي المشهد الداخلي على رتابته بإنتظار أمر من اثنين: تسوية إقليمية – دولية بشأن الرئيس بما هو جزء من هوية لسلطة متوافق عليها خارجياً ،أو نضوج سياسي داخلي فيقترب المبتعدون من الحوار الوطني اللبناني الإطار الوحيد للتفاهم على ولادة رئيس صناعة لبنانية. صحف اليوم تابعت الملفات الداخلية مع التنويه بالخلوة النيابية المسيحية التي لم تخرج عن رتابة وبدت وكأنها عُقدت للحفاظ على ماء وجه بكركي لا أكثر!
ماذا في التفاصيل ؟
صحيفة النهار عنونت: الشلل السياسي مجدداً تحت وطأة “الرهانات”
تقول: بعد أسبوع من “التحركات الطارئة” التي اثارت الكثير من الحيوية في المشهد السياسي، يستعيد الواقع الداخلي ما يشبه الشلل التام وكأن المعادلة التي تحكم ازمة الفراغ الرئاسي لم تشهد أي متغيرات جوهرية وحقيقية على رغم كل ما واكب التحركات التي حصلت ما بين باريس وبيروت من احتدام وارتفاع وهبوط في الرهانات على اختراق الانسداد في الازمة الرئاسية. وبدا واضحا بما لا يقبل جدلا ان مجمل الأوساط السياسية الداخلية لا تزال تدور في حلقة الغموض الكبير الذي يطبع الرهانات او الحسابات المتصلة بمواقف دول الخماسي الدولي التي باتت اشبه بمرجعية خارجية مسلم بها للتعامل مع ازمة الاستحقاق الرئاسي في لبنان وان كل ما حصل من لقاءات وتحركات ومشاورات في باريس، ومن ثم في بيروت، في الأيام الأخيرة، قد انتهى الى خلاصة لم تتقدم معها ولم تتراجع صورة المأزق ولو انها اثارت الكثير من الاضطراب السياسي في الداخل. ولم يعد خافيا، وفق حصيلة المعطيات التي نتجت أولا عن زيارة رئيس “تيار المردة” سليمان فرنجية لباريس، ومن ثم جولة الموفد القطري في بيروت، وما بينهما من تحركات بين الافرقاء الداخليين، ان مرحلة انتظار التطورات الخارجية المتصلة بالأزمة الرئاسية ولا سيما بين دول الخماسي، فرنسا والولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية ومصر وقطر، قد مددت وطغت على كل اعتبار داخلي بحيث بدا العامل الداخلي اضعف الحلقات امام معادلة الانتظار خصوصا مع تعاظم رهانات افرقاء كثيرين على تسوية او افاق حل يأتي عقب بلورة الاتفاق السعودي – الإيراني الذي يشهد اليوم تحديدا حلقة تنفيذية مهمة من خلال لقاء وزيري الخارجية السعودي والإيراني في بكين استكمالا لفصول الاتفاق الثلاثي الذي جرى التوصل اليه أخيرا. ولذا سيبقى الوضع الداخلي عرضة لموجات المد والجزر التي لا تؤدي الى تبديل في المعادلات حتى تبرز معالم تفصيلية في توافقات دول الخماسي حيال لبنان وهو امر ليس مرتقبا في وقت قريب.
خلوة بيت عنيا
وسط هذه المناخات والأجواء لم تتجاوز الخلوة الروحية النيابية المسيحية التي عقدت أمس في بيت عنيا بدعوة من البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي الإطار الذي رسم لها اذ خلت واقعيا من أي مداولات في السياسة واقتصرت النقاشات التي شارك فيها 53 نائبا وراء طاولة مستطيلة على الشق الروحي المسيحي وعلى القيم التي تدعو اليها الكنيسة، والتي يجب ان تحكم عملَ المعنيين بالشأن العام، لناحية المحبة والخدمة والحوار والتواصل.
وفي الإطار العلني لم يكن بعد الخلوة وخلال القداس سوى عظة البطريرك الراعي التي ضمنها القليل من الابعاد السياسية ولم تخلُ من بعض الادانة غير المباشرة للنواب. وقد شدد البطريرك الراعي على ان “السياسة التي تمارس السلطة بطريقة خاطئة هي غير قادرة على الاعتناء بالآخرين فتسحق الفقراء وتستغل الارض وتواجه النزاعات ولا تعرف كيف تحاور”. وأضاف “يقول البابا فرنسيس أن “السياسة التي تسعى لخلق مساحة شخصية وفئوية هي سيئة أمّا السياسة التي تضع خطة لمستقبل الأجيال فهي صالحة وفق مسألة تتوّج بالوقت يتغلّب على المساحة”. على ضوء هذين الوجهين وفي ختام هذه الخلوة الروحيّة، فليطرح كلّ واحد منا، بل كل سياسيّ صالح هذه الأسئلة على نفسه:
بماذا جعلت الشعب يتقدّم؟ أيّ طابع تركت في حياة المجتمع؟ أي روابط حقيقيّة بنيت؟ أي قوى إيجابيّة حرّرت؟ كم سلام إجتماعي زرعت؟ ماذا انتجت في المسؤوليّة التي أُسندت إليّ؟ (البابا فرنسيس: “كلّنا إخوة”، 197). ماذا فعلت لتسهيل انتخاب رئيس الجمهوريّة، وإحياء المؤسّسات الدستوريّة بعد خمسة أشهر من الفراغ الرئاسيّ ودمار شعبنا؟”
وبعد انتهاء الخلوة وقبيل بدء القداس في كنيسة سيدة لورد، التقطت الصور للبطريرك الماروني برفقة النواب المشاركين من أمام تمثال سيدة لبنان. وتغيّب عن الخلوة كل من النواب سينتيا زرازير، ميشال معوض، بولا يعقوبيان، ملحم خلف، نجاة صليبا، أسعد درغام، الياس بو صعب، سامر التوم، ميشال الدويهي، ميشال المر. وافيد أن النائبين ملحم خلف ونجاة عون صليبا إتصلا بالبطريرك الراعي مساء الثلثاء وتمنيا مشاركته الصلاة من قاعة مجلس النواب إستكمالًا لاعتصامهما منذ 77 يومًا وقد أبدى الراعي تفهمًا إيجابيًا لموقفهما.
صحيفة الأخبار عنونت : قناعة فرنسية بتسوية تحمله إلى بعبدا وسلام إلى السراي | باريس لفرنجية : لم نسمع بفيتو سعودي وكتبت تقول : تكشّفت خلال الساعات الماضية تفاصيل الزيارة التي قام بها رئيس تيار المردة سليمان فرنجية إلى باريس مطلع الشهر الجاري. وأظهرت المعطيات أن الزيارة التي تمّت بدعوة فرنسية نقلها المستشار في الرئاسة الفرنسية باتريك دوريل إلى فرنجية، شهدت لقاءات عدة بين فرنجية ومسؤولين فرنسيين رفيعي المستوى، إلا أن الطرفين رفضا تأكيد ما إذا كان أحد هذه اللقاءات جمع بين رئيس تيار المردة والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون.
وبحسب المصادر، فإن الفرنسيين وسّعوا دائرة النقاش حول ما يمكن تحقيقه من خطوات سياسية وإصلاحية في حال وصول فرنجية إلى رئاسة الجمهورية. وتمت مراجعة نتائج لقاءات اليوم الأول في اجتماع صباحي بين دوريل وفرنجية قبل أن يعود الأخير إلى بيروت حيث أطلع حلفاءه في حزب الله وحركة أمل على نتائج الزيارة.
وعلمت «الأخبار» أن الفرنسيين حرصوا قبل الزيارة وخلالها على إضفاء طابع رسمي على الاجتماعات، وقالوا صراحة إنهم يفكرون في تسوية تشمل موقعي رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة، من ضمن تسوية شاملة تتعلق بالمرحلة المقبلة وخطة الحكم الجديد في لبنان لمواجهة استحقاقات مختلفة، في السياسة والأمن والعلاقات الخارجية، مع التوقف مليّاً عند الخطوات الإصلاحية التي ينبغي القيام بها سريعاً.
وبحسب المعلومات، فقد أطلع الفرنسيون ضيفهم على نتائج الجولة الأولى من الاتصالات التي أجراها ماكرون مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، وأبلغوه بأن الرئيس الفرنسي سيعاود الاتصال بالأمير السعودي قريباً. وبدا أن المسؤولين الفرنسيين محيطون بمواقف كل الأطراف اللبنانية، ومدركون بأن بعض التعقيدات التي تظهرها مواقف بعض القوى الأساسية، ترتبط إلى حد بعيد بالموقف السعودي. كما أكّدوا أن باريس لم تسمع من أي مسؤول سعودي وجود «فيتو» على ترشيح فرنجية. لكنهم أوضحوا أن لدى الرياض وأطراف أخرى كثيراً من الهواجس والأسئلة التي تحتاج إلى شروحات وتوضيحات من قبله، وأن الأمر رهن التفاهم على هذه الأمور قبل السير في التسوية.
وبحسب المعلومات، فإن فرنجية كان شديد الصراحة مع الفرنسيين، وتحدث بوضوح تام حول علاقاته الداخلية والخارجية، وقال إنه حليف لحزب الله الذي يعتبر قوة مركزية في لبنان لا يمكن لأحد تجاوزها، وإن فرنسا تحاور الحزب في كل ما يتعلق بلبنان، وإن علاقته مع الرئيس السوري بشار الأسد ليست مستجدّة، و«سأعمل على تفعيل هذه العلاقة بما يخدم مصلحة لبنان في مجالات كثيرة».
كذلك طرح الفرنسيون على الزائر اللبناني جملة من الأسئلة تتعلق بالحكومة المقبلة وآلية عملها وضمان وحدتها وآلية إقرار الإصلاحات وملف مصرف لبنان ومنصب الحاكمية، فأكد فرنجية أن لبنان يحتاج إلى الإصلاحات من دون أن يطلبها منه أحد. لكن هذه الملفات التي نوقشت وتناقش بين الجميع الآن، سيكون على الحكومة المقبلة اتخاذ القرارات بشأنها لأن القرار في النهاية هو لمجلس الوزراء.
وعلمت «الأخبار» أن الفرنسيين جددوا طرحهم بأن يكون السفير نواف سلام هو مرشح التسوية لرئاسة أولى حكومات العهد الجديد، ولم يبد فرنجية اعتراضاً على الأمر. لكنه أشار إلى أن في لبنان آلية لاختيار رئيس الحكومة من قبل النواب قبل أن يكلفه رئيس الجمهورية تشكيل الحكومة. وأكد أن حلفاءه يدعمون كل الخطوات الضرورية التي توقف الانهيار في لبنان، وأنه لا يتوقع بروز مشكلات جدية في مسألة تأليف الحكومة.
صحيفة الجمهورية عنونت: خلوة بكركي تجمع الأضداد ولا تقرّبهم.. ديبلوماسية الخارج مستنفرة لكسر التعطيل
وكتبت تقول: سيدخل الملف الرئاسي في الآتي من الأيام في استراحة عيد الفصح لدى المسيحيين، وعيد الفطر لدى المسلمين، ولعلها مصادفة جديرة بالتأمّل والتعمق في معناه وما تشكّله من فرصة للتلاقي والاجتماع تحت عنوان وحيد: مصلحة لبنان واللبنانيين.
على انّ الاعياد هذه السنة تحل كئيبة، وفاقدة لبهجتها، فلبنان تحت أنقاض التناقضات السياسية، وليس من يبشّر اللبنانيين بالقيامة، ويخلّصهم من مكونات العبث السياسي المحكومة بنزعة الانتقام من هذا البلد، والتي بدل ان تزرع في التربة اللبنانية نبتة الانفراج، زرعتها سموماً واحقاداً وسياسات خرقاء وكمائن على الطريق الرئاسي، ووسّعت فجوة الانقسام فيما بينها الى حدود كسرت كل المحاولات العقلانية والصديقة والشقيقة لتضييقها.
هي بالتأكيد استراحة مفلسين في الوقت الضائع، لا تعني أبداً أن تمنح تلك المكونات نفسها فرصة لأن تنتمي ولو لمرة واحدة الى المسؤولية، وتقتطف لحظة للتفكير العقلاني بما آل إليه حال لبنان واللبنانيين، كما لا تعني ابداً انّ ما بعد تلك الاستراحة غير ما قبلها، فتعطيل انتخاب رئيس الجمهورية وما يليه من خطوات لإعادة انتظام الدولة ومؤسساتها وسلطاتها، إنجاز وقح لتلك المكونات، ابتلع حتى الآن خمسة اشهر من عمر البلد، وها هي مكونات التعطيل قد بدأت في ابتلاع الشهر السادس.
أبلغَ مرجع سياسي الى «الجمهورية» قوله: ان التموضعات السياسية بالشكل الموزّعة فيه على ضفتي ملف رئاسة الجمهورية، وبالشكل التي تتعامل وتتفاعل فيه مع بعضها البعض، تؤكد بما لا يرقى اليه الشك انها تموضعات متعادية، ولغة التخاطب فيما بينها، هي اللغة الحربية والالغائية التي لا يستقيم معها اي تقارب او توافق. وبالتالي في هذا الجو، يصبح تحقيق أي خرق إيجابي في الملف الرئاسي من سابع المستحيلات.
وسأل المرجع عينه «هل هذا الامر غريب عن لبنان»؟ وأجاب: «أبداً، هذا الجو العدائي ليس مستجداً على هذا البلد، بل بالعكس، هو مسار اشتباكي طويل يمتد الى سنوات طويلة، خبر فيها اللبنانيون صولات وجولات مماثلة «على الفاضي وعلى المليان»، مع ذات المكونات التي تتواجَه بذات الادوات وبذات الانقسامات وبذات الخطابات وبذات الشعارات، وبذات الرهانات، وبذات العصبيات وبذات العنتريات النافخة لعضلات فارغة الّا من إرادة التعطيل وقدرة التفريق والتحريض الطائفي والمذهبي. امّا النتيجة فلن تكون خارج سياق ما شهدناه في الماضي، حيث انه عند ساعة الجد، يأخذ كل طرف حجمه وتنتهي وظيفته المحددة له في مرحلة التأزيم، وتصبح الكلمة الفصل لـ«التسوية» التي لا بد ان تُصاغ، ولا اعتقد انها بعيدة. وبالتالي، تصبح الاولوية القصوى لدى ايّ من أطراف الاشتباك هي ان يبحث عمّا يمكنه من أن يحجز مقعداً له في هذه التسوية او على ضفافها».
خلاصة الامر، يلفت المرجع عينه الى انه «رغم الانسداد الظاهر فأنا لستُ متشائما، مع يقيني الكلّي بأنّ هذا المسار المدمّر لن يكمل، وقناعتي راسخة بأنّ الوضع الراهن سينتهي الى حلّ رئاسي في المدى المنظور».
وردا على سؤال قال: الحل الرئاسي أكثر من وارد في المدى المنظور، ربطاً بما يحصل من حولنا من تطورات كاسرة لكل التوترات في المنطقة، واندفاعات تقارب وتوفيق بين من كانوا في الامس أعداء، فهل يمكن ان تهدأ المنطقة ويترك لبنان متوتراً ونقطة متفجرة؟ فضلاً عن اننا لمسنا بكل وضوح وجدية، إرادة صديقة وشقيقة بحسم الامر في لبنان وتمكينه من انتخاب رئيس الجمهورية، ولذلك لا اعتقد انّ المسألة ستطول أكثر من اسابيع قليلة، ولن يكون أحد قادراً على نسف الحل لأن كلّ الاطراف يَدّعون القوة قولاً، الا انهم في حقيقة امرهم ضعفاء».
إستنفار ديبلوماسي
خلوة بكركي
الى ذلك، وفي الوقت الذي تسيطر فيه اجواء التخبّط لدى بعض الاطراف التي تصنف نفسها سيادية، والذي يعبّر عن نفسه بهجومات متتالية على الجهود الفرنسية وما أحاط الزيارة الاخيرة لرئيس تيار المردة سليمان فرنجية الى باريس، وآخرها الهجوم المباشر على مستشار الرئيس الفرنسي بارتريك دوريل، وكذلك اتهام فرنسا بأنها «لا ترى في لبنان سوى مصالح وصفقات على حساب مصلحة اللبنانيين»، انعقدت في بكركي الخلوة الروحية للنواب المسيحيين برعاية البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي.
شارك في الخلوة 53 نائباً، يمثّلون التوجهات المسيحية على اختلافها، حيث كانت الخلوة بمثابة تجمع للأضداد، من دون ان تفضي الى اجوبة حاسمة حول مآل الملف الرئاسي، كيفية تجاوز حلقة التعطيل التي تمنع انتخاب رئيس للجمهورية، بل ان البطريرك الراعي أودَع النواب مجموعة من الاسئلة، التي تعبّر عن غضب بكركي من استمرار الوضع الشاذ والفراغ في رئاسة الجمهورية، وتنطوي في بعضها على مآخذ ارتدَت في بعض مفاصلها طابع التقريع المبطن.