حين يلدغ رامز جلال المشاهدين…

بقلم نبيل مملوك

لم يأتِ #رامز جلال –مبدئيًا – بأي شيء جديد على صعيد المضمون التلفزيوني، بل قام بتطوير الفكرة الأساس التي بنيت عليه سلسلة أعماله التلفزيونيّة الرمضانيّة التي تعرضها قنوات ( أم بي سي ) منذ سنوات.

وحين نستخدم فعل التطور توصيفًا، فإنّنا أمام بابين : الأول وهو المباشرة في إيصال المغزى والثاني هو الابتذال، والحق أنّ رامز جلال قد طرق البابين بقبضة واحدة تحت عنوان “الضحك والترفيه” الذي يغدو سرعان انتهاء الحلقة مع الضيف الـ VIP كتابًا للضحك والنسيان…

ومنذ عقد إلى الآن يسأل المشاهد نفسه ماذا قدّم لنا رامز جلال؟ وكيف تمكّن من إيقاع المشاهد بمصيدة الخداع الذهني/ المشهدي والذوبان الحسيّ الجماهيري؟

العقدة الجماهيريّة

في برنامجه هذا العام “رامز never end”، كان التوغل أكبر في إهانة المشاهد بقدر ما كان بإهانة الضيف، وكان التقليد حاضرًا نتيجة الاستعانة بالمنصة الإعلاميّة التي تمثلت هذه المرّة بالإعلاميّة اللبنانيّة كارلا حدّاد ( في موسم سابق بالإعلامي نيشان ). وما بدا ملحًّا لدى رامز وفريق إعداد الحلقات هو إهانة الضيف أو الفنان وسحق مرتبته الجماهيريّة، وهذا كان لافتًا في حلقتي الفنانين محمد رمضان وإيمان العاصي.

لجوء رامز جلال إلى هذا الأسلوب التجريحي الساخر محصّن بأدوات عمليّة إعلاميّة متعدّدة أولّها : “الاتفاق مع الضيف وأن عرض الحلقات لا يأتي إلا بعد موافقة الضيوف وتقاضي “الثمن السينمائي” لإهانتهم”.

الثاني وهو الأخطر على المشاهد يأتي من خلال تحريض أيّ شخص لا يستسيغ فنّ فلان أو عمل فلانة أو آراء فنانين محدّدين ممّا يفقد هؤلاء الهالة الجماهيريّة وتنقلب عليهم وتعود إلى مقدم البرنامج الذي هو أصلاً ممثل يتقن الكوميديا بألوانها الفاقعة، فلا يعلق بأذهان المشاهدين سوى ما فعله رامز وما تسببه رامز من إهانة لفلان أو فلان، وما يبرّد هذا الوعي الجماعي سوى انتهاء الموسم أو تطرّق الصحف إلى الأرقام التي يتقاضاها الضيوف لقاء هذه المشاهد.

هذه الهالة الجماهيرية التي يفقدها الضيف مهما كانت شهرته أو هويّته العمليّة قد أفقدت رامز جلال رغم كل هذه التكاليف والملايين التي تزيّن كل موسم رمضانيّ من خلال إخراج العمل ومحاولة تقديمه على أنه متين، فقد فضح هذا الموسم أكثر من موسم “رامز أكل الجو” أنّ هناك فنّاناً ابن ست وفنّاناً أو ضيفاً ابن جارية، فبعض الحلقات أظهرت أن الضيف متهيّئ مسبقًا لما سيحصل به خصوصًا.

فعلى سبيل المثال، حلقة محمد رمضان وأولى الإشارات هي حركة صدّه لقالب الحلوى والتي اختتمت بترويج لرمضان من خلال أداء أغنية “مافيا” مع مقدم البرنامج.

أمّا إيمان العاصي التي لم تخلُ حلقتها من أي شتيمة وغضب وانفعال بعد الدخول إلى “الغسالة” فكان يغافلها كل تفصيل في الحلقة.

نجح رامز في استفزاز المشاهد الواعي بشكل سلبي حين “نكّل” لفظًا وسلوكًا بياسمين عز تحت سقف موافقتها واستقطاب المشاهد من خلال لدغة الأفعى، لتصبح حلقاته مبنية على صراع بين استعطاف الفنانين لجماهيرهم أو “تألق” رامز في فبركة خداعه.

الخدع المشهديّة …لسعة لذكاء الجمهور

ليس الحصاد الجماهيري أو التراند هدفي رامز جلال الوحيدين، فهكذا نوع من البرامج يتطلب خروجًا عن منطق الإعلامي المقدّم الجامد الرصين وتوظيف كلّ مخزون الموهبة التمثيليّة ليبقى المشاهد متابعًا تحت قاعدة روتانا “مش هتقدر تغمض عينيك”.

فلسعة الأفعى لرامز لم تكن تفصيلاً عفويًا وإن ثبت ذلك أو قدموا كل الأدلة على ذلك.

وفي حلقة محمّد فرّاج وبسنت شوقي كان العراك الكلامي الناعم جوًّا هو المسيطر خصوصًا حين أتى على شكل مزحة تفوهت بها بسنت وأثارت سلبًا زوجها محمد فراج وانعكست على ملامحه.

أمّا مع أحمد السقا الذي قضم رأس الأفعى فلم يفهم المغزى من تقديم حركة سينمائية قديمة ليست غريبة على نجم أفلام الحركة في العالم العربي ومصر.

اللجوء الى هذه “الخدع” ليس سوى وحدات مشهديّة تشتت تركيز الجمهور وتحث لاوعيه على طلب المزيد من الفراغ ومزيد من الإثارة. وما حصل من بلبلة مع الفنان محمد فؤاد الذي لامس قعر الموت وفقًا لطبيبه أيضًا ليس إلا رافعة ماديّة لبرنامج لا يهدف الى الترفيه بقدر ما هو تعويض تلفزيوني لمقدمه عما فاته من تألق في السينما.

رامز جلال ليس الوحيد الذي يهندس مادتّه الرمضانيّة على مقياس الترند أو الظهور، بل ثمة برامج كثيرة تنتظر انتهاء هذه الزوبعة لتستنسخها. وقبلها حاول هاني رمزي أن يخلق عالمه الجوي الموازي وعزف فيما بعد عن الفكرة… لكن السؤال ـ ونحن سنتابع الحلقات لنرى أين يلدغنا رامز – ماذا لو لم يكن برنامج رامز جلال مبنياً على اتفاقيات إلى أي حدّ ستترك العفويّة الخالية من الأذى النفسي واللفظي واللاوعي للجمهور مكانًا ليتنفس ؟ أم ستكون الوتيرة تصاعديّة لرهجة البرنامج ؟

الإجابة معروفة لكن التذكير الإشكالي بها ربّما يكون فيه شفاء من لدغة رامز جلال الأبديّة.

اخترنا لك