نظام عالمي جديد من البوابة السعودية – الإيرانية

الجزء الأوّل

بقلم د. ميشال الشماعي

ممّا لا شكّ فيه أن الاتّفاق السعودي- الايراني قد نجح حتّى الساعة بتبديل الاستراتيجيّات في منطقة الشرق الأوسط.

ويبدو أنّ المملكة بقيادتها مع ولي العهد الأمير محمّد بن سلمان قد نجحت أيضًا بفهم طبيعة الصراع الدّولي الذي يبدو أنّه ينتقل في هذا العقد من التعدّديّة القطبيّة إلى ثنائيّة جديدة. لذلك كلّه، استلحق وليّ العهد بلاده لأنّه مدرك مدى قدرتها على التحوّل إلى قوّة فاعلة مؤثِّرَة في السياسات الدّوليّة ولا أن تكون قوّة متأثِّرَة فحسب.

تبدلات جيواستراتيجيّة حتميّة

ولمحاولة فهم هذه التبدلات الجيواستراتيجيّة على أثر هذا الاتّفاق استطلعنا في جسور رأي الباحث السياسي اللبناني الأميركي حسن منيمنة، وهو مدير مؤسسة بدائل الشرق الأوسط، وأستاذ في معهد الشرق الأوسط، ومحرر مساهم لدى منتدى فكرة التابع لمعهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى. وقد شغل حسن منيمنة منذ التسعينيّات مواقع مختلفة علميّة وبحثيّة متخصّصة بشؤون الشرق الأوسط وشمالي أفريقيا وعموم العالم الإسلامي لدى مؤسسة جرمن مارشال الأميركية وصندوق الديمقراطية والتنمية التابع للمؤسسة في تونس وفي معهد هادسون، ومعهد أميركان أنترپرايز. ومعهد القيم الأميركية، ومؤسسة الذاكرة العراقية المعنيّة وغيرها.

ولدى سؤالنا منيمنة عن المستفيد من الاتفاق السعودي – الايراني، فهو لا يرى الافادة فقط من منطلقات طرفي هذا الاتّفاق بل يذهب منيمنة بعيدًا حيث يرى أنّ “المستفيد الأوّل هو الصين التي تمكنت من الدخول إلى المعترك السياسي في الشرق الأوسط بعد أن كانت تقتصر في المراحل الماضية على الشؤون الاقتصادية فقط.” فبنهاية المطاف لم يعد بالامكان تجاهل التعاظم الاقتصادي الصيني. حيث نجح هذا البلد بالاستفادة من استقطاب الشركات العالميّة المنتجة بسبب اليد العاملة الرّخيصة عنده، نتيجة الكثافة السكانيّة.

أمّا المستفيد الثاني بحسب منيمنة فهو إيران، حيث يرى أنّها “حصلت على مظلة صينيّة، وبالتالي فكّت الطوق، وأنهت العزلة إلى حدّ ما التي كانت مفروضة عليها من جانب دول المنطقة والغرب والأسرة الدوليّة عمومًا.” لكن الإشكالية التي تطرح دائمًا هي هل ممكن أن يشكّل هذا التوجّه شرقًا منفذًا بالنسبة إلى إيران؟ وهل ستنجح إيران بسحب حلفائها في المنطقة إلى هذا التوجّه الجديد ؟

أمّا بالنسبة إلى المملكة العربيّة السعوديّة فيؤكّد منيمنة أنّها المستفيد الثالث إلى حدّ ما.” وهو يضع هذه الاستفادة ” في تأطير التراجع السعودي ليصبح جزءًا من منظومة دوليّة، أو جزء من قرار دولي.” كما يرى منيمنة أنّ “الولايات المتّحدة هي التي تسببت في هذا الاتّفاق من خلال عدم العمل في المنطقة”. ويعتقد في حديثه لجسور أنّ “الصين وإيران هما الطرفان الأساسيّان في هذه المنظومة الجديدة التي ترتسم بعيدًا من الدور الأوّل الريادي للولايات المتّحدة التي تراجعت.”

ثنائيّة قطبيّة جديدة، فمن المتضرّر ؟

من هذا المنطلق، يبدو أنّ الثنائيّة القطبيّة بدأت تتضح معالمها انطلاقًا من هذا الاتّفاق الذي أعاد رسم المنطقة جيواستراتيجيًّا من البوّابة السعوديّة. لكن يبقى أن أيّ اتّفاق في العالم بين أيّ فريقين سياسيّين أو دولتين أو حزبين لا يمكن استبعاد طرفًا ثالثًا متضرّرًا من هذا التقارب. ويبدو انّ إسرائيل هي هذا الطرف في منطقة الشرق الأوسط، فهل ممكن أن تسعى لإبطال مفاعيل هذا الاتّفاق عبر ضربة عسكرية لإيران مثلاً ؟

يفيد منيمنة في حديثه لجسور في هذا السياق بأنّ “إقدام إسرائيل على ضربة عسكرية هو مغامرة غير محسوبة إلى حدّ ما لأنّه لو قامت إسرائيل بهذا العمل كانت تودّ بأن تكون الولايات المتّحدة جزءًا لا يتجزّأ منه، بل الأكثر أن تقدم الولايات المتّحدة بهذا العمل نيابة عنها حتّى.” فاعتماد إسرائيل كدولة معادية للعرب بشكل عام على الولايات المتّحدة الأميركيّة لتأمين ديمومة اختراقها للوطن العربي لم يعد متاحًا كما كان قبل الحرب الروسيّة على اوكرانيا. من هنا يختم منيمنة ” طالما أنّ الولايات المتحدة منشغلة بأمور أخرى، وطالما أنّ المزاج الشعبي والسياسي والقيادي ليس في هذا الاتّجاه فمن المستبعد القيام بهكذا ضربة عسكريّة.”

في الخلاصة، الانشغالات الدّوليّة المتزايدة لن تمنع الولايات المتّحدة من الاستمرار بدورها القيادي في العالم. ويبدو أنّ الاتّفاق السعودي- الايراني يندرج في الرؤية السعوديّة الجديدة التي فهمت هذا التوجّه العالمي الجديد. من هذا المنطلق، يبدو أنّ السعوديّة ستكون لاعبًا أساسيًّا في المرحلة المقبلة دوليًّا. لذلك، لن يتمكّن أيّ طرف في الشرق الأوسط على عداء مع المملكة من الانخراط في النظام العالمي الجديد.

اخترنا لك