بقلم د. نبيل خليفة
لم يعد خافياً على أحد أنّ النظام العالمي تعرّض لعدّة انتكاسات جيو- سياسية بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، وها هو اليوم يواجه عدّة مقاربات من قوى عظمى وكبرى واقليميّة، ويدخل في سياقها الدور البارز الذي يقوم به الأمير محمد بن سلمان ولي العهد في المملكة العربية السعوديّة. ويأتي هذا الدور في سياق رسم الخطوط وتحديدها في مجالات ثلاثة:
الأول: مرتبط بدور المملكة وتوجهاتها في ضوء رؤية 2020-2030.
الثاني: العمل على ايجاد موقف وموقع للإسلام كديانة عالمية، في النظام العالمي الجديد، وهو بالتأكيد موقف ثابت وفاعل.
الثالث: تطوير دور العالم العربي بهويته الاتنية وانتمائه الديني الاسلامي، كعامل فاعل ومؤثر في عالم اليوم.
مؤتمر جدّة : نقطة تحوّل
كان مؤتمر القمة العربية رقم 32 لجامعة الدول العربية في مدينة جدّة السعودية، وبدعوة من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، بمثابة نقطة تحوّل في قاموس الديبلوماسية العربية. فلقد حرص الأمير محمد، المحرّك الفعلي لأعمال المؤتمر على الأمور التالية:
1-جعله مؤتمراً مفصلياً في العلاقات العربية-العربية والعربية الأجنبية.
2-الاصرار على تجاوز كل الخلافات والاشارات والحساسيات العربية، والتشديد على كليَّة وعمومية الموقف العربي في القمة.
3-الأخذ بعين الاعتبار معظم الهواجس والمشاكل والتحديات التي تواجهها الدول العربية من جانب والدول الغربية من جانب ثانٍ.
4-العمل على الخروج من المؤتمر بخلاصات تخدم مصالح جميع دول الجامعة وفي مقدمة ذلك احترام سيادة واستقلال هذه الدول ومنع قيام ميليشيات مسلحة داخل الأنظمة العربية.
5-خلق معادلة جديدة داخل النظام العالمي يكون لأهل السنّة العرب فيها مكان مهمّ وازن ليكون في الوقت عينه، مقابلاً أو بديلاً لانخراطها أو خرط الاسلام الشيعي الايراني في المعسكر الصيني – الروسي كمحور جديد جنوبي – شرقي لمحول النظام العالمي التاريخي على الخط الغربي – الشمالي (اميركا وأوروبا).
رئيس أوكرانيا زيلينسكي في المؤتمر
ماذا تعني دعوة الأمير محمد للرئيس الاوكراني زيلينسكي لحضور المؤتمر؟
إنها تأكيد من الأمير محمد على ان الاسلام السياسي بهويته العربية وبعده السنيّ هو هنا بالضبط وليس هناك خلف الأقلية الشيعية بقيادتها الايرانية. إنّ الاسلام هو جزء اساسي ومركزيّ من النظام العالمي بأبعاده الكبرى وعلى رأسها الولايات المتحدة ومن ثم أوروبا. كما أنّ هذا الاسلام كما يصنّفه هنري كيسنجر هو اسلام الوسط على الكرة الأرضية من إندونيسيا شرقاً إلى المغرب غرباً. ومن يسيطر على عالم الوسط، كما يرى كيسنجر يسيطر على العالم.
وبالمعنى الاستراتيجي الخالص، فهذا العالم يحوي اكثر من ثلثي الثروة النفطية في العالم. من هنا أهميته الاستراتيجية الاستثنائية. إنّ وجود الرئيس زيلينسكي في المؤتمر ورسالته إلى الحاضرين التي تلاها بصفته مشاركاً في المؤتمر، تظهر روحية الانفتاح والمحبة، العدل والسلام والايمان المطلق بحق كل شعوب العالم بالحرية والسيادة والاستقلال والكرامة الوطنية بمعزل عن الانتماءات الاتنية والدينية والجيو-سياسية… لقد كانت أبلغ رسالة يمكن أن يوجهها الأمير محمد إلى الرئيس الروسي بوتين بالمعنى السياسي العام وبموضوع حرب أوكرانيا بشكل خاص!
عراضة «حزب الله» في عرمتى
كيف يمكن، وهل يمكن فهم وتفسير العراضة العسكرية التي أقامها «حزب الله» في بلدة عرمتى جنوب لبنان غداة مؤتمر جدّة العربي؟
بالاستناد إلى المعطيات الموضوعية التي سبقت ورافقت وتبعت العراضة العسكرية لـ»حزب الله» في عرمتى، وفي تدقيق معاني الكلمات والخطب والتصاريح التي ادلى بها مسؤولون في «الحزب» بعدها يمكن استخلاص الأهداف التالية:
1 – إنّ العمل السياسي في جدّة، ومهما كانت أهمية ما صدر عنه من مقررات سياسية ليس ولن يكون البديل عن المعطيات العسكرية في السلاح والمسلحين على حد سواء.
2 – إنّ «حزب الله» هو، وسيبقى، إشارة الأمان لشعب لبنان ولشعوب المنطقة.
3 – إنّ الواقع الذي يحكم دولتنا وبيئتنا وشعبنا، هو أولاً وأخيراً واقع تحدّ عسكري قبل أي شيء آخر. ولذا تكون العراضة في عرمتى تأكيداً لهذه الحقيقة ورداً على الذين ضيّعوا بوصلة العمل السياسي والعسكري في لبنان والمنطقة.
4 – يريد «حزب الله» أن يقول لإسرائيل مباشرة وليس مداورة، بأنّ مصيرها مع لبنان ودورها في لبنان، لا يمكن أن تؤمنه مع الساسة اللبنانيين بل مع رؤوس الحراب التي يرفعها «حزب الله» دائماً وابداً!
5 – رسالة «حزب الله» إلى اللبنانيين عبر هذه العراضة هي القول لهم: ليس التفاهم بين ايران والسعودية هو الذي يحل القضية، القضية اللبنانية بحاجة لنضال ونشاط قادتها وأبنائها المسلحين والمسالمين على حدّ سواء.
6 – أخيراً، وليس آخراً، فإن ما يقوم به «حزب الله» هو صورة معبرة عمّا شهده تاريخ النضال الشيعي عبر التاريخ حيث للدعاية والمظاهر والمبالغات الكلامية والحركات الشكلية دور مهمّ واساسي في مسار الشيعة السياسي حيث يتقدم المظهر على الجوهر في كثير من الأحيان!
باختصار كليّ، لقد كان لعراضة «حزب الله» في الجنوب، في زمنها ومكانها وأسلوبها واستهدافاتها، طابع اعلامي ودعائي واستفزازي في سياق مسار العمل السياسي للشيعة ولموقفهم من لبنان. الدولة والكيان والسلطة السياسية في مرحلة مفصلية من مراحل التحوّلات السياسية في دول الشرق الأوسط.
إنّ المبادرة التي أقدم عليها ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في اختيار: توقيت مؤتمر القمّة العربية ومكانه وموضوعاته والمشاركين فيه ومناقشاته ومقرراته وانعكاساته على الوضعين: العربي والدولي. والأبرز في كل ذلك إبرازه دور الاسلام السنيّ (أهل السنّة) في صلب المعادلة الدولية أي كعنصر أساسي وفاعل في بناء النظام العالمي الجديد. كل ذلك يؤكد القاعدة العلميّة القائلة إنّ المعنى الحقيقي للسياسة هو العمل لبناء المستقبل على ضوء رؤية واضحة!… وهذا ما يقوم به الأمير محمد بن سلمان منذ التزامه برؤية 2030.