بقلم د. ميشال الشمّاعي
بعد التطوّرات الأخيرة التي تمثّلت في قدرة المعارضة على التقاطع على اسم مرشّح رئاسيٍّ مقبول من عدد أكبر من النواب الناخبين له، يفوق عدد ناخبي مرشّح الممانعة؛ بتنا أمام معطى جديد لم يعد بإمكان المعطّلين ممارسة هوايتهم الفضلى. ضف إلى ذلك، أنّ الموقف الدّولي بات اليوم أقرب إلى حسم موضوع الرئاسة اللبنانيّة، بهدف وضع الحلّ اللبناني على سكّته الصحيحة التي انطلقت من المبادرة الكويتيّة في 22 كانون الثاني 2022، وليس انتهاءً بتطبيق البندين الخامس والسادس من قمّة جدّة التي انعقدت في 19 أيّار المنصرم.
إضافةً إلى ما صدر عن الاجتماع الخماسي الذي استضافته العاصمة الفرنسيّة باريس الإثنين 6 شباط الماضي الذي ضمّ أميركا وفرنسا ومصر وقطر والسعودية، وتناول الملف اللبناني الرئاسي بالدرجة الأولى، والذي أشار عن مخاطر الفراغ وتأثيره حكوميًّا وتشريعيًّا، إضافة إلى سوء الأوضاع الاقتصادية التي تفاقم معاناة المواطنين، والإصلاحات المنتظرة من السلطات الرسميّة في البلاد التي تعدّ شرطًا أساسيًّا لدعم لبنان ماليَّا ونقديًّا، في ظلّ الشغور الرئاسي المستمرّ منذ 31 تشرين الأول الماضي.
ذلك كلّه يفضي إلى استنتاج واحد وهو أنّ السيف المصلَتَ بات مُسَلَّطاً على رقاب المعطّلين والمعرقلين والسيّاف هو المجتمع الدّولي الذي انخرط مع المملكة العربيّة السعوديّة في عمليّة تصفير الإشكاليّات السياسيّة في المنطقة. وذلك كلّه تمهيدًا إلى تحويلها منطقة آمنة للاستثمارات، لا سيّما النّفطيّة. لأنّ وليّ العهد قد قرأ جيّدًا التحوّل الجيواستراتيجي في العالم الذي بدأ بعد مؤتمرات التغيّر المناخي التي بدأت بالانعقاد في ” كوب1″ من 28 آذار إلى 7 نيسان عام 1995 في برلين في ألمانيا؛ وصولاً إلى ” كوب 27″ الذي انعقد في شرم الشيخ في مصر في الفترة ما بين 7 و 18 تشرين الثاني 2022؛ تمهيداً إلى انعقاد “كوب28″ الذي سيعقد في دولة الإمارات العربية المتحدة في مدينة إكسبو دبي في الفترة من 30 تشرين الثاني حتى 12 كانون الأوّل 2023.
هذا التحوّل القائم بالانتقال إلى الطاقة الخضراء أي الطاقة النظيفة، ما يعني ذلك حتمًا انخفاض في سوق استهلاك النّفط. من هذا المنطلق، سيلج المجتمع الدّولي بوّابة المنطقة. ولا يمكن أن يبقى التعامل مع القضيّة اللبنانيّة بهذا الاستخفاف. فالمجتمع الدّولي لا ينطلق من لا شيء؛ بل جُلَّ ما يطلبه هو موقف واضح وصريح من اللبنانيّين ليقف فيساندهم بما تريده أكثريّتهم؛ على قاعدة أن تتقاطع الإرادة اللبنانيّة مع الإرادة الدّوليّة خدمةً للمصلحة العامّة المشتركة. وهذا ما سيحدث بعد جلسة 14 حزيران غدًا. ولنا في ذلك المثال الذي جرى في 26 نيسان من العام 2005، حيث تقاطعت المصلحة الدّوليّة مع المصلحة الوطنيّة وتمّ تنفيذ جزئي للقرار 1559. وجازى الله من كان السبب في عدم استكمال تطبيق هذا القرار تحت ذريعة ” لبننة” منظمة حزب الله الإيرانيّة، حيث نجحت بتطبيق عكس اللبننة على لبنان كلّه. وكان ما كان في لبنان حتّى وصلنا إلى ما وصلنا إليه اليوم.
وهذا التحوّل السياسي الاستراتيجي الذي نجح حزب القوّات اللبنانيّة مع أطياف المعارضة كافّة بأخذ البلد إليه، إنّما هو الذي فرض على فريق الممانعة واقعًا لا يمكن تجاوزه. ومفاد هذا الواقع، يكمن في عجزه عن استكمال سيطرته السياسيّة على الجمهوريّة اللبنانيّة بالكامل، انطلاقًا من بوابة رئاسة الجمهوريّة؛ وذلك لأنه لا يملك أكثرية نيابيّة. إضافة إلى عجزه من استخدام قدراته العسكريّة لتسييلها في تسوية سياسيّة ما، على غرار ما جرى بعد انقلاب 7 أيّار 2008 في الدّوحة؛ وذلك لدخوله في بازارات البيع والشراء الدوليّة بدءًا بمفاوضات الناقورة، وليس انتهاء بدخول أوليائه الإيرانيّين في التسوية الكبرى؛ مهما حاولوا التعالي والاستكبار والانكار.
هذه الوقائع ستحتّم أمر من اثنين :
1. تراجع الممانعة عن مرشّحها والدّخول في تسوية بانتظار كيفيّة إخراجها على قاعدة لا غالب ولا مغلوب.
2. استخدام الشارع الممانِع المحقون اجتماعيًّا واقتصادياً بهدف إثارة الفوضى الاجتماعيّة، ما سيلزم الأطراف كافّة على الجلوس إلى طاولة التسوية، بشرط أن تسحب الممانعة جمهورها الغاضب اقتصادياً ومالياً ممّا آلت إليه الأمور.
وفي هاتين الحالتين فقط، تستطيع الممانعة ممارسة عمليّة التخدير الانتصاراتي على جمهورها، لتحاول الحفاظ على ما تبقى لها من هالة جبروت القوّة، لا سيّما بعد فقدانها الذريعتين: الحرب مع العدوّ الإسرائيلي نتيجة للترسيم واتّفاق السلام الصامت، وشتم المملكة العربيّة السعوديّة ليل نهار نتيجة للاتفاق السعودي – الإيراني. وفي كلا هاتين الحالتين، سيكون الانتصار لمشروع لبنان الدّولة، بغضّ النظر عن شخص الرئيس العتيد. لأنّ مشروع الدّويلة قد سقط بالضربة السياسيّة القاضية.