جنين تُفاجئ الصهاينة : ما بعد عملية الأمس ليس كما قبلها !

لم تكن عملية جنين أمس كغيرها من العمليات الخاطفة السابقة التي كانت تشنّها القوات الإسرائيليّة للقبض على مطلوبين فلسطينيين. كما أنّ “الحسابات الميدانية” لتل أبيب ما بعد عملية جنين الأخيرة لن تكون كما قبلها. ردّة فعل “المقاومة الفلسطينية” هذه المرّة كانت مغايرة من حيث التخطيط والتنفيذ عن المرّات السابقة.

عملية أمنية أرادتها القوات الإسرائيلية أن تكون خاطفة وسريعة، لكنّها عوض ذلك علقت مجموعات إسرائيلية ساعات داخل مخيّم جنين للاجئين في شمال الضفة الغربية بعدما كمن مسلّحون فلسطينيون للقوات المُهاجمة وأعطبوا آليات عسكرية إسرائيلية باستخدام عبوات ناسفة، في تطوّر نوعي دفع تل أبيب إلى إدخال مروحيات عسكرية من نوع “أباتشي” المعركة لقصف مواقع فلسطينية في جنين للمرّة الأولى منذ الانتفاضة الفلسطينية الثانية (2000-2005).

وخلال العملية العسكرية الكبيرة التي استمرّت لأكثر من عشر ساعات قبل أن يُعلن الجيش الإسرائيلي انسحابه، قَتلت القوات الإسرائيلية 5 فلسطينيين وأصابت عشرات آخرين بجروح في اشتباكات مسلّحة ضارية أسفرت أيضاً عن إصابة 7 عناصر من القوات الإسرائيلية بجروح، فيما أكدت وزارة الصحة الفلسطينية مقتل 5 فلسطينيين وإصابة 91 آخرين، بينهم 23 بين إصابات خطرة وحرجة.

وكشفت الوزارة أنّ القتلى هم خالد عزام عصاعصة وقسام فيصل أبو سرية والفتى أحمد يوسف صقر وقيس مجدي عادل جبارين وأحمد خالد دراغمة. ومن بين الجرحى المصوّر الصحافي حازم ناصر، الذي أُصيب بالرصاص ونُقل إلى المستشفى، بحسب نقابة الصحافيين الفلسطينيين، في حين نعت حركة “الجهاد الإسلامي”، “كوكبة شهداء جنين” من بينهم أبو سرية الذي أكدت أنّه ينتمي إليها. وشيّعت حشود من الفلسطينيين القتلى الخمسة الذين لُفّت جثامينهم بالكوفية والعلم الفلسطيني.

وأفاد الجيش الإسرائيلي في بيان بأنّ مروحيات عسكرية من نوع “أباتشي” أطلقت “النيران باتجاه المسلّحين للمساعدة في انسحاب الجنود”، موضحاً أنّ المداهمة تخلّلتها “اشتباكات كثيفة مع مسلّحين فلسطينيين”، في حين أفادت إذاعة الجيش الإسرائيلي بإصابة مروحية بإطلاق نار. وفي إحاطة للصحافيين، أعلن متحدّث باسم الجيش الإسرائيلي أن القوات كانت تشنّ “عملية روتينية” تهدف إلى اعتقال مطلوبين لديها من حركتَي “حماس” و”الجهاد الإسلامي”، ووقع خلالها ما وصفه بأنه “تبادل كثيف لإطلاق النار” بين القوات الإسرائيلية ومسلّحين فلسطينيين.

وأوضح المتحدّث العسكري أن آلية مصفحة أُصيبت قرابة الساعة 07:10 صباحاً بعبوة ناسفة، واصفاً الأمر بأنه “غير عادي” ومشيراً إلى إصابة 5 عناصر من حرس الحدود الإسرائيلي، بالإضافة إلى اثنين من جنوده، بينما أعلن الهلال الأحمر الفلسطيني أن قوات إسرائيلية “استهدفت مركبتَي إسعاف بالرصاص الحي ما تسبّب بأضرار مادية”، مشيراً إلى “عرقلة وصول سيارات الإسعاف”.

وفي ردود الفعل، كتب أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية حسين الشيخ في تغريدة: “حرب شرسة ومفتوحة تشنّ ضدّ الشعب الفلسطيني سياسيّاً وأمنيّاً واقتصاديّاً من قبل قوات الاحتلال”، مطالباً الولايات المتحدة بـ”الضغط على إسرائيل لوقف الإجراءات الأحادية كافة”، وذلك عقب لقائه مساعدة وزير الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأدنى باربرا ليف.

كما طالب الشيخ الإدارة الأميركية بـ”التحرّك الفعلي لإطلاق مبادرة سياسية تُجبر الطرفين على الوفاء بالتزاماتهما للحفاظ على حلّ الدولتَين، ابتداءً بوقف الاقتحامات العسكرية الإسرائيلية لمناطق الضفة الغربية وسفك دماء الفلسطينيين”، في حين أعرب مفوّض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان فولكر تورك عن “قلقه الشديد من تدهور الوضع”، معتبراً أن “عمليات القتل غير المشروع للفلسطينيين على أيدي قوات الأمن الإسرائيلية ازدادت، بما في ذلك عمليات إعدام خارج نطاق القضاء على ما يبدو”.

وعبّر الاتحاد الأوروبي عن “قلق بالغ” إزاء الأحداث الأخيرة في جنين، مشدّداً على أن العمليات العسكرية يجب أن تكون “متناسبة ومتوافقة مع القانون الدولي الإنساني”. أمّا جامعة الدول العربية فدانت “بأشدّ العبارات” العملية العسكرية الإسرائيلية و”ما يرتكبه جيش الاحتلال من جرائم مستخدماً صنوف الأسلحة والمروحيات العسكرية”.

في المقابل، دعا وزير المال الإسرائيلي بتسلئيل سموطريتش إلى شنّ عملية واسعة “للقضاء على أوكار الإرهاب” في شمال الضفة الغربية. كما تعهّد وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت الاستمرار في “اعتماد سياسة هجومية”، وقال: “نستخدم كلّ الوسائل المتاحة لنا لضرب العناصر الإرهابية أينما كانوا”.

وفي الأثناء، أجرى زعيما حركتَي “الجهاد الإسلامي” و”حماس” محادثات مع كبار المسؤولين الإيرانيين في طهران، حيث استقبل الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي الأمين العام لـ”الجهاد الإسلامي” زياد النخالة، بينما أجرى رئيس المكتب السياسي لـ”حماس” إسماعيل هنية محادثات مع أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي أكبر أحمديان الذي عُيّن أخيراً، قبل لقاء عدد من كبار المسؤولين الآخرين، في وقت تحدّثت فيه وسائل إعلام إسرائيلية عن أن طهران تسعى إلى تحويل الضفة إلى غزة أخرى.

إلى ذلك، عبّر مبعوث الأمم المتحدة للسلام في الشرق الأوسط تور وينسلاند عن قلقه إزاء قرار الحكومة الإسرائيلية بـ”تغيير إجراءات التخطيط الاستيطاني المعمول بها منذ العام 1996 والتي من المتوقع أن تُسرّع التوسّع الاستيطاني”.

اخترنا لك