الاستحقاق الرئاسي… متحرّك خارجياً ومتعثر داخلياً

بقلم د. ميشال الشماعي

لن تكون خطوة ١٤ حزيران يتيمةً في ملعب المعارضة اللبنانية التي نجحت برصّ صفوفها على القاعدة التقاطعيّة. فيما بدى فريق إيران في لبنان مستشرسًا وبأقسى لحظات هذا الاستشراس لم يتمكّن من الوصول إلى عتبة الستين صوت لمرشّحه، مع كلّ الممارسات التي قام بها. فيما بقي رئيس التيار الوطني الحرّ على موقعه في الفريق نفسه، محاولاً أن يتمايز عسى يستطيع أن يخرق جدار فريقه السياسي بإعادة ترشيح نفسه بنفسه. وهو الذي يعتبر نفسه الوريث الوحيد لعهد عمّه، فيما يتعتبر الوزير فرنجيّة أنّ التنازل الذي قدّمه في رئاسة ال 2016 يجب أن يقبض ثمنه من الحزب اليوم.

هذا في المشهديّة الدّاخليّة التي لا زالت حتّى الساعة تدور في الدّوامة نفسها. بينما خارجيًّا يبدو الحراك أكثر فاعليّة لا سيّما بعد قمّة ماكرون – بن سلمان التي أصرّت على ضرورة “قطف ثمار استئناف العلاقات السعودية- الايرانية وفرض ليونة لجهة خيار حزب الله الرئاسي”. وهذا ما يقرأ فرضًا جديدًا على فريق إيران في لبنان من قبل وليّه الايراني بضرورة القبول بالتسوية الدّوليّة التي على ما يبدو أنّها بدأت بالنّضوج.

لا سيّما وأنّ لبنان الدّولة يترقّب مفاعيل زيارة الموفد الفرنسي الجديد “جان – إيف لودريان” الذي بات من الواضح أنّه المؤشّر الذي أكّد تغيير الاستراتيجيّة الفرنسيّة في الملفّ اللبناني. ويبدو أنّ السعودي قد أوضح للفرنسي أنّ بوّابة الدّخول الاستثماري إلى إيران لن تكون إلا عبره شخصيًّا. ولعلّ هذا ما سينعكس ليونة في الملفّ اللبناني. هذا كلّه يفضي إلى مسألتين من وجهة نظر فريق الممانعة:

. تجميد الملفّ الرئاسي ووضع الأزمة اللبنانيّة في ثلاجة الانتظار ريثما تستطيع الديبلوماسيّة الايرانيّة الهادية أن تمارس تقيّتها في تقوية أسهم فريقها في لبنان.

. تسخين الساحة اللبنانيّة من الناحية الاجتماعيّة إلى حدّ الانفجار الاجتماعي والمواجهة مع القوى الشّرعيّة بهدف فرض شروط هذا الفريق في التسوية التي تحضّر.

وفي مراقبة حثيثة للآداء الإيراني يبدو التناقض واضحًا بين إيران التي تعتمد التقيّة الديبلوماسيّة وتعمل بحكمة الأفاعي ديبلوماسيًّا، وبين فريقها في لبنان الذي لم يعد قادرًا على العمل بهذه الطريقة لأنّ قاعدته الاجتماعيّة قد أنهِكَت وهي تئنّ مثلها مثل اللبنانيّين جميعهم تحت رحى الأزمة الاقتصاديّة الطاحنة للبنانيين جميعهم.

وفي صلب هذا الواقع المأزوم يطلّ على اللبنانيين رئيس التيار الوطني الحرّ الحليف الوفي لفريق إيران والذي لم يترك فريقه يومًا، بل هو يعتمد سياسة المثل اللبناني الشائج : ” إجر بالفلاحة وإجر بالبور”. ويعمل اليوم بعد التصدّع الذي نتج عن جلسة 14 حزيران الأخيرة على إعادة رفقائه القومو- عونيّين إلى بيت طاعته؛ لا سيّما بعد طرح المتقدّم فيهم الانتخابات النيابيّة المبكرة بعد حلّ المجلس نفسهم بنفسهم. ويعلم باسيل جيّدًا أنّ هذا الطرح هو الأخطر على وجوديّته التمثيليّة، لا سيّما في الشارع المسيحي. لذلك كلّه، عاد وذكّر بتوصيف الأزمة اللبنانيّة على قاعدة الدستور والتركيبة، في محاولة منه لاستباق رئيس حزب القوات اللبنانية الذي يعلنها في كلّ لحظة، والكثر يطرح الحلّ البديل الذي يقوم على توسعة اللامركزيّة المنصوص عليها في الدستور، ويطالب بتعديلات دستوريّة تحيّد أيّ اشتباك سياسي في البلد مهما طال أمده، ولا تسمح بالسلبطة وتعطيل المؤسّسات من قبل أيّ فريق كان.

فيما باسيل عاد وذكّر بأنه مع انتخاب الرئيس مباشرة من الشعب، والكلّ يعلم أنّ هذا الطرح يدغدغ شعور الغلبة الديمغرافيّة الشيعيّة، لا سيّما بعد نجاجح هذا الفريق بدءًا بعهد الرئيس الراحل الياس الهراوي بالسيطرة على وزارة الخارجيّة واقتلاع كلّ المنتشرين اللبنانيّين وعدم إعطائهم حقّهم في الجنسيّة اللبنانيّة. ما أدّى إلى ضرب الميزان الديمغرافيّ لصالح الشيعيّة السياسيّة.

كما طالب باسيل بتحييد الكيان إلا عن العدو الاسرائيلي، ظنًّا منه أنّه باستطاعته كسب ودّ بكركي والاحتفاظ بولائه للحزب. فيما طرح بكركي الحياد وليس التحييد. والعداء لإسرائيل ليس استرضاء للمنظمة بل هو في صلب دستورنا كلبنانيّين، لأنّ المنظمة قد وقّعت اتّفاق السلام الصامت في الناقورة مع مَن اعتبَرَها حليفها السرمدي، أي الرئيس برّي، “دولة إسرائيل” وذلك في الناقورة بوساطة اميركيّة في 27 تشرين الأوّل 2022.

وما تهجّمه على الطرح الفدرالي إلا من خلفيّتين :

– جهله بطبيعة هذا الطرح الذي يقوم على احترام الهويّات المجتمعيّة، وهو نظام اتّحادي ليوحّد المجتمعات التي تقوم على القاعدة التعدّديّة ( الاثنيّة، أو العرقيّة، أو المذهبيّة، أو الدينيّة، أو اللغويّة، أو الثقافيّة، أو المناطقيّة أو أيّ تعدديّة أخرى). فيما يجهد نفسه لبثّ الدعاية التقسيميّة على حساب هذا المشروع استرضاءً لحليفه الثنائي الشيعي الرافض لهذا المشروع، ومتجاهلاً أنّ معظم قاعدته العونيّة باتت من مؤيّدي هذا الطرح.

– الجهل بطبيعة الدولة حيث يطالب بمدنيّتها فيما الدولة في لبنان دولة مدنيّة وليست عسكريّة. بينما هو يتحالف مع الثيوقراطيّة – العسكرتاريّة على حساب الدولة المدنيّة. وبالطبيعي طرح باسيل للدولة المدنيّة يقوم على قانون انتخاب لبنان دائرة واحدة من دون القيد الطائفي، أي بمعنى آخر قانون حركة أمل، الذي يغلّب العدديّة على التعدديّة.

في المحصّلة، يبدو أنّ الفريق الممانع ‏ لا يزال في مرحلة قياس نسب الربح والخسارة في حال خضوعه للتسوية وقبوله بشروطها ما يعني أنّه سيعمل على إطالة أمد الفراغ الرئاسي إلا باستثناء واحد يكمن بنجاح زيارة الموفد الفرنسي بإظهار التسوية على قاعدة لا غالب ولا مغلوب، لينصرف بعدها هذا الفريق في البحث بكيفيّة إدارة أزمته بعد هذه المرحلة. فيما تبدو أجندة المعارضة اللبنانيّة أوضح بكثير حيث وضعت نصب عينيها صيانة التركيبة اللبنانيّة على القاعدة اللامركزيّة الموسّعة، ولن تكون بمنأى عن بحث أي طرح آخر لا سيّما الفدرالي، كما أشرنا آنفًا بهدف فصل الاشتباك السياسي عن سيرورة الحياة اليوميّة لكلّ مواطن يريد العيش معًا في وطن قاعدته مدنيّة تعدّديّة ديمقراطيّة تمثيليّة تصون حقوق الهويات المجتمعيّة فيه ولا تصهرها في أتّون هويّاتي يطمس هويّتها الكيانيّة قوميًّا أو إيديولوجيًّا أو حتّى ديمغرافيًّا.

اخترنا لك