عيد الفصح اليهودي بين لبنان و غزة

بقلم تمارا حداد

اقتربت الأعياد اليهودية وأصبح الخوف ضمن المنظومة الأمنية بين كماشتين إحداهُما عدد التهديدات الذي يتزايد يوماً بعد يوم حول نية تنفيذ عمليات فردية وان كان وراءها عملاً منظماً في الضفة الغربية وتهديد التسخين التدريجي سواء على حدود قطاع غزة أو جنوب لبنان، والكماشة الأخرى وهي الأزمة الداخلية “الاسرائيلية” التي وضعت نتنياهو بين خيارات محدودة لإنقاذ وضعه الشخصي قبل إنقاذ الواقع الداخلي “الاسرائيلي”.

وفي ظل تلك التهديدات في الحديقة الجانبية والجنوبية والشمالية “لاسرائيل” توالت جلسات التقييم والنقاش بمشاركة المستوى السياسي والأمني والعسكري لاتخاذ قرارات وتكرار الجلسات إشارة إلى استنفاذ أدوات “إسرائيل” حول التعامل مع تلك التهديدات المُختلفة التي باتت خطراً على “اسرائيل”، رغم الأخيرة أرسلت رسائل تحذيرية إلى قيادات قطاع غزة عبر مصر وقطر وابلاغهم ان الاحتلال جاد في تهديداته وان أي توترات تحصل قُبيل الأعياد سيكون هناك تصعيد قادم على قيادة حماس او قيادات المقاومة أينما تواجدت في البقعة الجغرافية الفلسطينية او خارجها وان كلَف الاحتلال الى دخول حرب مفتوحة.

قد تكون إحدى خيارات نتنياهو من أجل الهروب إلى الأمام والقفز عن ازمته الداخلية هو استغلال التهديدات لترسيخ حرب مفتوحة لانقاذ نفسه ولكن هذا الخيار غير مضمون وبلعكس سيكون اكثر خطورة على “اسرائيل” نظرا ان الحكومة الحالية لا تعتبر قوية أمام رفض الشارع “الاسرائيلي” لها وارتفاع منسوب التظاهرات نتيجة التعديلات القضائية ناهيك ان الجيش والمؤسسة الأمنية ومحكمة العدل العليا والدولة العميقة في “اسرائيل” غير راضيين على الحكومة الحالية فهي كشفت اوراق سواء بعمليات الضم السريعة وإنهاء الصراع الفلسطيني “الاسرائيلي” بعكس الرؤية الامريكية التي تدير الازمة وكلاهما عُملة لوجه واحد والفرق بين ادارة الازمة وحسمها فقط في العامل الزمني وكلا الرؤيتين لصالح “دولة إسرائيل”.

التهديد الأكبر ليس من خارج “اسرائيل” نظراً ان ادواتها ستستمر في العمليات المُكثفة والمحدودة في الضفة الغربية لإنهاء حالة المقاومة قد تنجح في ذلك مؤقتاً ولكن على المدى البعيد لن تنجح بسبب ان الشارع الفلسطيني تغيرت وجهته نظراً لعدم قدرة البيت الفلسطيني على ترتيب وضعه الداخلي وان كان هناك تغيُرات في الوزارات والمحافظين والسفراء فما هي الا امور ترقيعية أمام هدف الشعب بالتغيير الجذري وهي الانتخابات لاعادة الثقة دون ذلك سيبقى الشعب يفقد ثقته بالسلطة ويبدأ بالاتجاه اما لفصائل المقاومة ومن ضمنهم كوادر فتح واما الاتجاه للعمل في “اسرائيل” خاصة الفرد الذي ليس عليه قيد امني، هنا ستصبح السلطة الأضعف نتيجة فقدان الثقة الجماهيرية بها وان تم تقويتها مالياً فإن انهائها في خضم الواقع التدريجي لان ضعفها جاء من اضعاف ذاتها لذاتها لعدم القدرة على الاصلاح الفعلي بكلا الاتجاهات وناهيك الضعف الوطني الوحدوي بين شمولية الجغرافيا الفلسطينية.

اما الاداة الاخرى التي ستستعملها “اسرائيل” وهي أداة الاغتيالات وهي مُفعلة الى حين الوقت المناسب وصيد ثمن باهظ، فيما على مستوى القطاع فابقاء واقع الأجهزة الأمنية الاستخباراتية “الإسرائيلية” مُتجهزة لاي ضربة للقطاع اضافة الى استخدام ادوات تارة تقديم تسهيلات اقتصادية وتارة إغلاق المعابر وتارة تشديد الحصار وكلها تصب في سياسة كسر الرأس والاضعاف المزدوج، من المتوقع خلال فترة الأعياد هو فرض اغلاق جزئي على القطاع وكامل على الضفة الغربية نظراً لتداخل الجغرافيا بين المستوطنات ومناطق الحكم الذاتي.

ان التهديدات التي خارج “اسرائيل” قد يكون سهل التعامل معها بأكثر من اداة لكن التهديد الأكبر المتمثل بالازمة الداخلية وبالتحديد ان نقطة قانون التجنيد هي المفصل في استمرار الحكومة اليمينية الائتلافية او إنهاؤها ناهيك أن نقطة الغليان هو اجتماع محكمة العدل العليا يوم الثلاثاء المُقبل لمناقشة إلغاء سبب المعقولية فإذا استطاعت محكمة العدل العليا ايجاد منفذ قانوني لالغائه فإنه سيزيد الخطر الممتد من رئيس الاركان الى المقاتلين على الحافة بعد انهيار مخطط التسوية وانهيار نقاش غانيتس ونتنياهو حول آلية إيجاد صيغة للتوافق بين كلا الطرفين رغم أن نتنياهو يسعى الى خيار آخر ليس اللجوء الى الحرب نظراً لمخاطرها غير المحسوبة بل سيتجه إلى تأجيل تعديلات القضاء مدة سنة ونصف وهذا ايضا لن يقبل به أعضاء اليمين المتعصب.

هنا لم يبقى لنتنياهو الا خيار التسوية الشخصية الاخيرة وهي حل مشاكله الشخصية وتبرئته من قضايا الفساد مُقابل تنحيه عن العمل السياسي والبدء في التحضير لانتخابات جديدة وهذا يعني انتحار سياسي ليس لشخصه وإنما فقدان الشارع “الاسرائيلي” في جميع أعضاء حزب الليكود ليصبح حزباً هامشياً كما حدث في حزب العمل وميرتس وتحول جميع اعضاء الليكود ليس لحزبي لابيد وغانيتس وانما الى حزبي بن غفير وسموتيرتش نظراً أن الليكود قريب من العقلية اليمينية الأكثر تشددا نتيجة انزياح الشارع “الاسرائيلي” منذ العام 1977 نحو اليمين الأكثر تطرف وهذا يعني انعكاس ذلك سواء على القضية الفلسطينية والتي تعتبر الملف الأمني لدولة “اسرائيل” ولن تحل سياسياً مهما كانت الضغوطات الغربية والاقليمية والولايات المتحدة الأمريكية تعلم تماماً ماذا يعني ملفاً امنياً.

وكما ان اميركا أغلقت الطريق بوجه الجانب الفلسطيني بأكثر من اشارة اولها ان واشنطن ترى ان مطالب الفلسطينيين في محادثات جدة حد اقصى يصعب تلبيتها في الوقت الراهن ومن غير المعقول قبولها في نهاية حقبة بايدن واي تحقيق مطلب بحاجة لاجتماع الكونغرس الأمريكي الذي أبعد أي بُعد سياسي من المطالب الفلسطينية مثل تعزيز السيطرة السياسية والامنية على الأراضي في الضفة الغربية المصنفة “ج” وإعادة القنصلية الامريكية في القدس وامور اخرى تُعزز التواصل الجغرافي ومن غير المتوقع ان يحدث اي اختراقات في ذلك بالتحديد ان الامريكي يعتبر جلسات الفلسطينيين وبعض الدول ضمن الجلسات المغلقة فالعقلية الامريكية لا تتحدث بفحوى مفاوضات وراء الأبواب المغلقة ليقينها أن الباب المُغلق لتعزيز مصالح شخصية وليس عامة وايضا المفاوضات الاخيرة جاءت مُرتبة مسبقاً فقط بين الامريكي والسعودي وان الفلسطيني ضمن وضعية مطلبية مالية هامشية.

كما ان الجانب الامريكي معني فقط على ابقاء على وضعية احسن لحياة الفلسطينيين اليومية والأهم من ذلك ان الولايات المتحدة الأمريكية يهمها ترتيب وضعية الشرق الاوسط امنياً وسياسياً، وخلاصة القول ان حالة الجمود باقية طالما الجانب الفلسطيني لم ينهض بطريقته وأسلوبه الخاص امام فقدان ثقة الشارع الفلسطيني بالسلطات القائمة.

المقال يعبر عن رأي كاتبه وليس عن رأي الموقع

اخترنا لك