كريم مروة : انتهت الشيوعية فابحثوا عن شيء آخر… وهـل الله كلّف نصرالله بأمرِنا ؟
أحلام إبن الرابعة والتسعين لم تنضب و15 كتاباً "على الطريق"
بقلم نوال نصر
غريبٌ حقاً هذا الرجل. هو يدنو عمراً من نهاية قرن (94 عاماً) لكنه ما زال شاباً مليئاً بالأحلام والآمال عكس شباب – في العمرِ- كثيرين. إنه يُفكّر اليوم في إنجاز خمسة عشر كتاباً جديداً بدأها محدداً لها مواقيت زمنية ممتدة إلى قرن جديد. آمن هذا الرجل دائماً أن العمر ليس إلا خديعة وقرر أن يعيش الحياة كما شاء هو، هو وحده، ولا أحد سواه. كريم مروة، يعرّف عن نفسه : سياسي، كاتب ومؤلف. لكن، ثمة ما هو أبعد من ذلك بكثير كتب عن نفسه الكتب وحكى حكاياته وسطّر في نهايات ما قال وكتب ما مضمونه : إنتهت الشيوعية… إبحثوا عن شيء آخر.
إلتقيناه، في لقاءٍ حاولنا أن يطول لكنه أنهاه بقوله : «تعبت… خلص». هو تعب من الكلام لكنه لم يتعب من الكتابة. فهل في الكتابة علاج لمن أشقى مسيرته الدهر؟
كريم مروة. وماذا لديه بعد ليقول؟ هذا ما قد يتساءل عنه كل من يقرأ اسمه على حوار جديد. فهو- يخال البعض- قد كتب كل شيء لكنه هو وحده يعلن: كتبت أشياء وغابت أشياء. فلنحاول أن نلملم معه بقايا ما لم يكتبه أو فلنحاول أن نحصل على تفسير لما سبق وكتبه.
يجلس على كرسيه في منزله في منطقة مار الياس (في قلب بيروت) قبالة مروحة صوت محركها أعلى من صوته. البارحة، قبل أسبوعين، كتب: «الحرمان عند الشيعة ونغمة «بدن يردّونا مساحي أحذية». حكى في ما كتب عن فضل لبنان الكبير على الشيعة، هذا الكيان الذي أعطاهم ما لم يعطه لهم احد. كثيرون أعجبوا بما كتب وكثيرون اعترضوا على ما كتب وكثيرون كثيرون شككوا بان يكون هو من كتب. بدأنا معه من آخر ما كتب : ماذا قصدت بما قرأناه؟ يجيب : «أمليت ما كتب (فهو لم يعد يستطيع الإمساك بالقلم والكتابة) لأقول للشيعة : إذا بقيتم حيث أنتم اليوم سيبقى لبنان مقسوماً منقسماً ولن يبقى لا لبنان ولا انتم». ويستطرد: لدي موقف من حزب الله.
وأول إعتراض عندي هو كيف سمح لنفسه أن يأخذ اسم الله الذي هو ربّ العالمين وخالق الكون ويحتكر هذا الإسم، اسم الله. هذه أول خطيئة اقترفها حزب الله. والبقية تأتي. أنا (الشيعي) لا علاقة لي به. يقول الحزب أنه مكلف من الله. وبعدين؟ من كلفه؟ الله؟ من هو الله الذي يكلف حزباً بذلك؟ هذا لا علاقة له بالدين. كيف يكلف الله حسن نصرالله بأن يفعل ما يفعله. هذه مسخرة».
العيلة والأصول
يقرر أن يضع نقطة على هذا الموضوع. نستجيب له. فهو يكرر: أقول ما أشاء وافعل ما أشاء. أمامه ثلاث أوراق ستكون مقدمة كتاب ينهيه عنوانه: الفصل الأول من سيرة حياتي. يحكي فيه عن ولادته في الثامن من آذار عام 1930 في بلدة حاريص الجنوبية في عائلة دينية عريقة أصولها يمنية تنتمي الى قبيلة همدان. يحرص على «ضبضبة» أوراق الفصل الأول تمهيداً لمتابعة إكمال فصول الكتاب ويتحدث: والدي هو الشيخ أحمد مروة رجل دين ودنيا ووالدتي هي الحاجة خديجة. في التاسعة من عمري ختمت القرآن. وفي العام 1939 ذهبت مع والدي الى بيروت لاستقبال عمي الشيخ زين العائد من سيراليون. وفي طريق العودة أخرج سبائك ذهبية هي ثروته التي جمعها حيث كان. وفي طفولتي شاهدت بعض تقاليد قريتنا من حفلات الأعراس التي كان يشارك فيها في شكل طبيعي الرجال والنساء، في حلقات دبكة . وأشهد أن رجال الدين من الطائفة الشيعية لم يتدخلوا اعتراضاً على ذلك، على الرغم من تزمت بعضهم. وأذكر أن أحد أساتذتنا كان على علاقة مع إمرأتين، إبنتي عم، أبواهما رجلا دين. وشاعت في القرية أخبار تلك العلاقة فألفوا أغنية عن ذلك فيها: «يا سلام سلّم يا سلام سلّم بيدا ومواهب عشقتا المعلم»… ويحكي مروة عن بيروت «يوم نزلت الى العاصمة عرّفني ابن عمي منير على المدينة ولا أنسى ملهى فاروق الواقع في ساحة البرج الذي صحبني إليه لمشاهدة الراقصة الشهيرة سامية جمال وهي تؤدي أروع رقصاتها».
أراد أن يقول كريم مروة أن التزمت لم يكن وأن الحرية كانت تميز تلك الحقبة من تاريخ جبل عامل.
كان انفتاحا «أدخلني والدي الشيخ الشيعي الى مدرسة اللاتين الكاثوليكية وسلمني الى رئيسها الأب عبدالله من دون أن يدخل معه في شروط التعليم، الأمر الذي أدهش الأب المسيحي الكاثوليكي الذي طلب مني أن أقرأ له آيات من سورة مريم في القرآن لمدة عشر دقائق قبل الدخول الى الكنيسة للصلاة مع سائر التلامذة: أبانا الذي في السماوات…».
كريم مروة، المولود شيعيّا، أحبّ أن يتحدث عن تلك المرحلة – في أواخر العمر- ليقول إن أهمية كل ما عاشه في البدايات كوّن شخصيته الأولى «والدي الشيخ أحمد، رجل الدين والدنيا، كان واسع الثقافة وكان حريصاً على استقلاليته عن المؤسسات الدينية، وكان في أساس موقفه أنه يعتقد بأن الأساس في الدينين الإسلامي والمسيحي على حد سواء هو القيم الإنسانية للوجود كفرد وكمجموعات وأن على المؤمن أن يأخذ ذلك في عين الإعتبار. وطلب مني ومن إخوتي أن نكون حريصين على تمسكنا بالقيم الإنسانية في الدين واستخدام عقولنا ومعرفتنا في الحفاظ على استقلالية كل منا والتحرر من العبودية والخرافات وأن لا نكون تابعين بدون وعي لأي رجل دين من مختلف الأديان والطوائف».
يتمهل، يسكت، ثم يسأل: ما هي الأسئلة التي تريدين طرحها؟ نخبره أننا نريد أن نسمع خلاصة إستنتاجاته من مسارات العمر. فيعود ليكرر ما بدأه: «كان لوالدي رجل الدين موقف مبدئي من الإسلام، عبّر فيه أن الأساس في الإسلام هو القيم الإنسانية وأن الإنسان- الفرد- هو القيمة الاساسية في الوجود. أراد والدي أن يقول لي أن في القرآن والأحاديث النبوية حديث دائم عن العقل، وعن ضرورة استخدام هذا العقل الذي هو أساس كل شيء. أراد تكوين شخصيتي المستقلة بهذه الطريقة التي يمكنني على أساسها تحديد «شو باخد وشو ما باخد» من الدين. كان عمري يومها ثلاثة عشر عاماً».
الإبتعاد عن الطقوس
كان كريم مروة نهماً في القراءة «تأثرت بجبران خليل جبران وميخائيل نعيمة وتوقفت لاحقاً في العام 1945 عن الصوم والصلاة فخاف والدي، خصوصا بعد أن أصبحت قومياً عربياً ثم شيوعياً. راقبني ليتأكد ما إذا كنت ما ازال متمسكاً بالقيم الدينية. تأكد فارتاح. لكنه أبدى انزعاجه من عدم ممارستي الطقوس الدينية من دون أن يتخذ أي قرار بحقي. هو اعتمد معي آيتين قرآنيتين: لا إكراه في الدين من شاء آمن ومن شاء كفر. والثانية: لست على المسلمين بوصي ولا على المسيحيين بولي إنما أنا بشر يوحى إليه. كأن الدين بهاتين الآيتين يؤكد لي ولإخوتي مرة ثانية أن القيم الإنسانية في الدين هي الأساس في حياة البشر. أراد والدي ان يكرّس في داخلي ضرورة استخدام العقل والمعرفة واستقلالية الشخصية والحرية في اتخاذ القرارات ورفض أي تبعية عمياء لأي فريق من رجال الدين».
نسأل كريم مروة: هل شعرت مع مرور الوقت بعدم الحاجة الى العودة للصلاة؟ يجيب: «منذ بلغت من العمر أربعة عشر عاماً إنتهت علاقتي بأحكام الدين. وعشت بالقيّم الإنسانية وحدها. وهذه أهمية والدي في تكوين شخصيتي».
ماذا كان وراء اعتناق مروة بداية القومية العربية؟ يجيب: «لا أتذكر. كل ما اعرفه أننا كنا نسكن في حاريص، القريبة من الحدود الفلسطينية، ونقصد فلسطين للعمل والتسوق. ويستطرد: فلسطين ولبنان والعراق وسوريا دول عربية لهذا أصبحت قومياً عربياً رومانسيا».
الشيوعية
هناك دائما مفاصل في الحياة. في حياة كريم مروة لعبت رواية الأم لمؤلفها مكسيم غوركي (تتناول الرواية ظروف ثورة البلاشفة لتأسيس وتعزيز النظام الإشتراكي) دوراً في مساراته. ويقول: «أثّرت هذه الرواية عليّ وجعلتني شيوعياً. أذكر أن والدي أرسلني الى العراق لأتابع دراستي تحت رعاية إبن عمه حسين مروة. وجودي في العراق معه عزّز لدي القيّم التي أرساها في داخلي والدي. حسين (مروة) أصبح شيوعياً بعد عودته من العراق أما انا فأصبحت شيوعياً وأنا في العراق إبن سبعة عشر عاماً».
هناك في العراق رأى مروة نفسه في عالم جديد مختلف «هو بلد يضم كثيراً من المثقفين والأحزاب وحتى الصراعات. تأثرت بالثورة هناك العام 1948 وانتميت إليها وشاركت في التظاهرات لكني لم أحمل سلاحاً. أنا ضد السلاح منذ صغري. عقلي يفكر دائماً. تأثرت بدور الجيش الأحمر في الحرب ضد النازية وهذا ما قوّى علاقتي بالشيوعية. في المرحلة الأولى كانت «شيوعيتي» بالرومانسية. لاحقاً، في العام 1953، يوم اصبحت عضواً رسمياً في الحزب الشيوعي ومسؤولاً عن الطلاب الشيوعيين تغيّر الموضوع. أصبحت شيوعياً رسمياً لا مجرد رومانسي. الرومانسية يقررها كل إنسان على ذوقه، بمعنى أن تعجبه فكرة ما ويبدي سروره منها أما الإنتساب رسمياً فأمر آخر».
هل سُرّ أكثر بالرومانسية الشيوعية؟ يجيب «الرومانسية فردية، مثلها مثل حبّ امرأة بالفكر، في حين أن الإنتساب يستلزم القيام بنشاطات واتخاذ مواقف وآراء» ويستطرد: «أرسلني الحزب الى المجر لأكون عضواً في قيادة منظمة حزب الشباب الديموقراطي العالمي. إنها عالمية. مكثت فيها أربعة أعوام. نظمنا مهرجانات ومؤتمرات وقمنا بزيارات… شيء فظيع… لم أعد بعدها الشيوعي الرومانسي بل صرت شيئاً آخر. سافرتُ كثيراً. والتقيت بكثير من القيادات. وفي العام 1957 عدت الى لبنان ليعود الحزب الشيوعي ويرسلني عام 1962 الى فيينا لأكون ضمن منظمة أخرى عالمية هي مجلس السلم العالمي». يتمهل قليلا من على كرسيه ويقول كمن يريد أن يُذكّر بمجدٍ مضى: سافرتُ في حياتي الى كل جهات العالم. زرت 63 بلداً. وقابلت 33 رئيس دولة. وتعرفت الى شخصيات ثقافية وسياسية ساهمت هي أيضا في تكوين شخصيتي».
يتعب مروة من الكلام ويعلنها صراحة: «تعبت… ألم تتعبي من طرح الاسئلة». نبتسم له. نذكره بأنه صحافي أيضاً ويدرك تماماً أن الصحافة تكون أحيانا مزعجة. يجيب «الصحافة مهنتي». نتابع مهنياً اللقاء مع يقيننا بأن الرجل أتعبته الذكريات.
ننصت إليه وهو يتحدث عن حزب عمره، الحزب الشيوعي: «موقف الشيوعي المبدئي كان دائماً أن لا يكون ضدّ أحد في المطلق ولا مع أحد في المطلق. أما اليوم فلم يعد هناك حزب شيوعي. إنتهت الشيوعية. التجربة كلها انتهت».
قبل أن تنتهي التجربة كان مروة في أساسِها «كنت أساسياً. لكن، أتذكر أنني في لحظة من اللحظات، ضايقني أن يكون الإتحاد السوفياتي، بقيادة ستالين، يعطي أوامره الى الأحزاب الشيوعية الموجودة في كلّ بلدان العالم. كان يطلب من المنتمين الى الشيوعية في كل مكان أن يفعلوا ما يريده هو. وهذا ما طُبق على الحزب الشيوعي في لبنان، لكن كان لديّ معطى آخر، لذلك قررت أنا وجورج حاوي، رفض القرارات التي يتخذها الحرس القديم في سكرتارية الحزب من دون أن يسألونا عن رأينا. وأتذكر أنه كان هناك احتجاج يقوم به العمال في لبنان وكان رئيس الحكومة آنذاك رشيد كرامي. كان صديقاً للحزب، فقامت قيادة الحرس القديم في الحزب الشيوعي ومنعت العمال من التظاهر، كي لا تتمّ الإساءة الى صديقها رئيس الوزراء. قلت للمسؤول يومها : هذا ليس حزباً شيوعياً بل هو حزب تابع خاضع الى آخرين. الشيوعي في الإتحاد السوفياتي على رأسي وفي عيني، هو حزب أممي، أما في لبنان فنحن من نقرّر لا هو. إختلفنا وقمنا بثورة استمرت عاماً كاملاً بدلنا خلاله كل القاعدة المعتمدة وأصبح كل ما له علاقة بلبنان يصدر في لبنان. فرضنا ذلك فرضاً على الإتحاد السوفياتي. وما أحاط ما حدث آنذاك من اللحظات المهمة في حياتي. ونتيجة ذلك، أعددنا برنامجاً كاملاً للحزب وأرسلناه الى الإتحاد السوفياتي لسؤال الأركان هناك عن رأيهم، فوافقوا غصباً عنهم بعدما رأوا ما فعلناه وأنجزناه».
التجربة الستالينية
الديموقراطية الشيوعية المفقودة. هذا ما كانت عليه الحال أيام ستالين. ويقول مروة «هناك كتاب أتهيأ لطباعته أنتقد فيه التجربة الستالينية كلها وأحدد مكمن الخلل. بعد انهيار التجربة الإشتراكية ذكرتُ في محاضرة خمسة عشر خللاً بنيوياً أدت الى انهيار التجربة، يجب تجنبها في أي تجربة إعادة إنشاء إشتراكية جديدة. ذكّرتُ أيضا بكارل ماركس واعتذرت منه لأن تجربتنا كانت مخالفة لتعاليمه. هناك مواقف أساسية لدى ماركس تشبه تلك التي علمني إياها والدي ومضمونها: الإنسان هو القيمة الاساسية في الوجود. كما أن ماركس يقول وبوضوح أن الافكار ليست ثابتة بل تتغيّر حسب الظروف والوقائع. يجب أن يشغّل الإنسان عقله ويفكر دائماً كيف يطور أفكاره. لا ثبات في الأفكار».
هل مشكلة الشيوعي اليوم أنه لم يطوّر نفسه؟ يجيب بحسم: «خلص الموضوع الآن. إنتهى. لا يهمني أن أتكلم عن الحزب الشيوعي الآن. نحتاج الى تفكير جديد». ماذا عن اليسار الديموقراطي؟ «إنه مزحة». لكن، ألم يجد فيه تجديداً ما للفكر الشيوعي؟ يجيب: «لا، ابداً، لم تولد الظروف التي تمكننا نحن والعالم من إنشاء شيوعية جديدة على طريقة ماركس».
إنسحب كريم مروة من الحزب الشيوعي بعدما أيقن أن القيادة لم تتعلم من التجارب السابقة ويقول «تركت الحزب واشتغلتُ مستقلا لأفكاري وقراءاتي ومواقفي وكتبي». وبهذا يكون قد بدأ شيوعياً رومانسياً ثم ممارساً فعلياً ثم خارجاً من الشيوعية التقليدية صانعاً شيوعيته الخاصة مردداً ما قاله لنا اليوم، في الرابعة والتسعين: لا أحد يسقط أفكاره عليّ. ولا ولن أقبل أن يملي أحد ما أفعله. هذا ليس وارداً أبداً. أنا من أقرر بعقلي وأفكاري وقناعاتي».
لكن، ألم يفكر قبل أن ينخرط في العمل الحزبي الشيوعي أن دخول مطلق حزب يقتضي الإلتزام بقراراته؟ يجيب بغضب: «أنا خرجت من الحزب، ولا احد يعطيني أوامر. أنا وحدي أقرر ما أريد، لوحدي، لوحدي… (يكرر ذلك مرات).
نسرح ونحن نصغي الى كريم مروة بين لينين وستالين وماركس ونسمعه يحدد القادة التاريخيين في القرن العشرين وبينهم: صن يات صن وغاندي وعمر المختار وأتاتورك وسلطان الأطرش ومصطفى البارزاني وجمال عبد الناصر وفيديل كاسترو وآرنستو غيفارا والحبيب بورقيبه ومارتن لوثر كينغ ونلسون مانديلا وجورج حبش وكمال جنبلاط والإمام الخميني وياسر عرفات… أسماء تأثر بها لكن، وحده والده من كوّن شخصيته ثم قراءاته.
في الدار صورة كبيرة لمروة، يرتدي العباءة ويضع طفله على صدره: «إنه إبني غسان. لديّ ولدان، هانية وغسان. وثلاث حفيدات. وشعاري: أولادنا أكبادنا تمشي على الأرض». صداقاته كثيرة ويقول: «لا أضع شروطاً على الصداقة. المهم أن تربطني مع الآخر قواسم ومن لا يربطني به أي شيء فما لي وله». لا صديق مفضّلاً لديه ولا يقبل أن يفاضل بين الاصدقاء. له من الكتب 45 مؤلفاً منشوراً ويقول: الكتابة لا تتعبني. إنها مهنتي. وأنا اكتب ما احبّ». لم يعد يستطيع مروة الكتابة ويقول «أملي على الآخرين فيكتبون». ولم يعد يستطيع القراءة التي يحبّ «يقرأون لي».
أمورٌ كثيرة حدثت في حياته حزينة وسعيدة. لكن هل لحظات الحزن كانت أكثر؟ يجيب: «لا تفرضي عليّ أن أحدد لك ذلك». نتذكر أنه سبق وقال أن لا احد يطلب منه شيئاً لا يريده. نتجاوز السؤال ونكتفي بالإصغاء: «الحزب الشيوعي الموجود اليوم لا علاقة لي به، لست ضده ولست معه، ولم أعد أبالي به. ولا أحد له عليّ شيء».
نترك كريم مروة يرتاح. نتركه بين أفكاره اللامتناهية متمنين له أن يظلّ يعمل ويحلم ويتلو ما يريد كتابته. هو ضيف مختلف عن كل الآخرين. هو ما زال ثائراً على كل شيء. بالكاد يبتسم لكن، وراء نظارته السميكة، تلوح عينان وقادتان وإحساس عميق وبعض الغرور. ووحده ذكر حفيداته الثلاث جعله يبتسم. نترك كريم مروة يرتاح مع تأملاته التي يحبّ، يراقب من حيث يجلس شروق الشمس وغروبها، مستعداً لمتابعة المشوار، مشوار العمر والكتابة والإشتراكية وأفكار كارل ماركس، على ذوقه وحده «فلا أحد له عليه شيء». أما الخلاصة فنستنتجها (لعدم قدرته على كتابتها): الإنسان هو القيمة الأساسية في الوجود.