‎”شوق الدرويش” من الكتب الواصلة للقائمة القصيرة لـ جائزة البوكر للعام 2015

بقلم الكاتب صخر عرب

رواية عن تشكيل كيان ودولة السودان الحديث من تأليف القاصّ السوداني حمور زيادة وإصدار دار العين للنشر مصر الطبعة الخامسة عشر.

صيغت بأسلوب هو أقرب إلى الشعر والرسم والبوح والوجد الصوفي، كما في تجربة “بخيت منديل” السوداني الذي استعبد واسترق أكثر من مرة بعد بيعه وأسره ؟ الباحث عن الحق وعن الحقيقة والحياة، وكما في تجربة “تيودورا” او حواء بعد استعبادها، اليونانية القادمة من الإسكندرية في مصر للتبشير المسيحي في بلاد السودان وسط الأقوام “الهمج والمتوحشين”، وكما مع شخصيات أخرى من الدراويش الذين لا ينطقون إلا بالحكمة والاقتباس من القرآن والإنجيل وكتب الحكمة والكلام الجميل، وحتى الشعر. عن تحقق لعنة السود التي دعا بها جدّنا نوح على أبناء نسل ولده حام، وتنبأ أنهم سيكونون خدما وعبيدا لأولاد ونسل أخيه سام، وربما عن انتهاء تلك اللعنة.. ومن دون إغفال دور المندوب البريطاني “غوردون” في الخرطوم.

حتى “مهديّ الله” الذي احتل الخرطوم وخليفته وانصارهما وجنودهما ينطقون بالقرآن مبررين أعمالهم بتكفير الأخرين ولعنهم واباحة قتلهم وهدر دمهم مرددين كلمة ( الكفرة ) مرارا في إشارة للأحباش والانكليز واليونان وللمصريين وحتى الأتراك وكل من يخالفهم من أبناء وطنهم.

فكل من لا يتبعهم هم من “الكفرة” ويحل قتلهم واستباحة مالهم. قصة بناء مدينة الخرطوم وأم درمان، وحكاية الدم والعرق والدموع والماء في الأرض الأفريقية التي يرويها النيل العظيم.

قصة القتل والانتقام وهدر دم البشر بالاستشهاد بآيات القرآن والأحاديث الشريفة وكأن حياة الناس قدر يُصنع بأيدي أولئك الساسة.

قصة الصراع العنصري الذي شهدته دولة السودان الحديثة أواخر القرن التاسع عشر ونهاية الدولة المهدية والمآسي الفظيعة وعذابات الناس والخراب، وتلك النظرة الشاعرية الولهة لحب السواد وعشق اللون الزنجي لدرجة التماهي مع “زنخة وقباحة” تلك الأجساد التي لا تغتسل، وكراهية البيض ولونهم الأحمر “الدميم”. ورغبة بخيت منديل بالانتقام، وتيودورا بنشر المحبة وقد أحبها بخيت وعشقها.

القصة انسانية و سامية المعاني وجميلة لدرجة العذوبة، وتكثر من عبارات الفهم والعلم والحكمة على ألسنة أشخاص أميين وجهلة ؟ وفي أجواء من المبالغة والتكلف والتصنع والصناعة الكلامية واللغوية واللفظية، وكأن تلك الرواية موجهة للمثقفين وكبار القراء والمتعلمين.

وان يكن هذا التوجه ليس سيئا بالمطلق، لكنه محصور بالطبقة الخاصة لا العامّة، وكأن بتلك الجوائز العربية الثمينة لا تبغي إلا بناء سور من العزلة بين القارئ العربي العادي وعالم الثقافة والرواية وحالة من الخصومة بينهم مع الكتاب!

مع تقديري لجمال الرواية وانسانيتها، إلا أنها عانت من المبالغة في تصوير عقول اولئك البسطاء الأميين وكذلك من ابتعادها عن مستوى القراء المتوسط وكأنها بفذلكاتها ومعانيها وصياغتها المتكلفة لا يخطر القرّاء العاديون على بالها كثيرا.

اخترنا لك