مشروع ذاكرة بقلم رامي فنج
طبيب و ناشط سياسي – نائب سابق عن مدينة طرابلس
بعد كل ظلم تنتفض الشعوب على جلاديها لتنتصر على من اغتصب لسنوات حقها في الحياة، تحرك الزلزال الشعبي في 17 تشرين 2019 لتنطلق على كل مساحة الوطن من كل الساحات و خاصة من قلب مدينة طرابلس ، المدينة اللبنانية التي عانت على مدى سنوات قهرا و ظلما و لم تهزم بل في كل مرحلة استعادة هويتها و انتمائها الوطني.
لم يكن عشرات الالف من ما نزل الى الساحات الا مواطنين لم يخرجوا يوما لقول كلمة الحق في وجه تهميشهم في ظل سلطة تجذرت على الزبائنية و التي نخرت جسد الدولة المتهالك لكي يكرس النظام الطائفي المبني على زعامات لم تعمل ليبقى الوطن و المؤسسات بل ليبقوا هم و هيكل الفساد.
إن زلزال 17 تشرين خرق حواز المناطق والطوائف ليلتحم كل اللبنانيين حول العلم اللبناني لإعادة بناء دولة مسلوبة بالمال و خرق كل مؤسستها بدأ بعدم تطبيق دستورها انتهاء بتطويع كل طائفة الى مشروع خارجي اسقط الدولة التي تأسست في الستينيات دولة القانون و المحاسبة المبنية على الكفاءة لا المحاصصة الطائفية.
و هنا استفاق غول الدولة العميقة ذا الروح الميليشياوية الذي إذا نجحت الثورة سقط و أسقط كل من هو مكانه في السجن لنهبه الدولة لا مكانه في الحكم.
ساحة الثورة في طرابلس بنية بسواعد شاباتها و شبابها خيما يسهرون بها على بناء حلم الدولة الجديدة التي بدل أن يعكفون على كتابة طلبات الهجرة الى الدول البعيدة ، كتبوا أسس بناء الدولة ما بعد حكم المليشيات.
لم يستعملوا السلاح بل استعملوا سواعدهم و تنادوا من كل أرجاء الوطن للوحدة.
وذات يوم جلس كريم مروة في احد خيام ساحة الثورة ليلا و قال “أنا ابن التسعين عاصرت الثورة الجزائرية و عاصرت ثورات عدة ما أراه اليوم في طرابلس إنها ثورة بحق” أبعد التطرف بفعل طبيعي من كل أنواعه عن ساحة الثورة و هذا ما أرعب الدولة العميقة التي في كل مرة تعمل على صناعة الرعب و تطويع المواطنين بصناعة فوضى التطرف الزائف ليبقوا على إمساكهم بالحكم.
و الخطيئة التاريخية التي لا تغتفر التي استعملوها لقمع الثورة كان إجبار كل أجهزة الدولة العسكرية و الأمنية لقمع الثورة مع أن كل عسكري و و ضابط يعاني أولا من الدولة المنهوبة و المختطفة و استعملت كل الوسائل المتبعة في الدول القمعية لإسكات الثورة. و أدخلوا الى مجموعات الثورة من يفتتها من الداخل.
ما أرهب السلطة العميقة هو بداية الثورة التي انضم إليها من كل طوائف الوطن متحدين من كل المناطق و هنا شعروا ببداية فقدان السيطرة على زمام الأمور و أسرعوا الى إرهابهم بالعودة فورا الى قواعدهم الطائفية .
هذا هو الطبيعي بالنسبة لهم و ما ربحوا في ذلك أن من ترك الوطن و هاجر هو العسكري الشاب قبل شباب و شابات الوطن.
إن قمع الثورة بالقوة و بفعل الانهيار الاقتصادي و المالي دفع الى هجرة بالألاف من الشباب المنتجين و حاملي الشهادات الجامعية و أصحاب الاختصاص الى كل أرجاء الأرض و فرغوا البلد من كل مكوناته الشابة الرافضة لكيان الدولة التي تعمل بشعار “اللا دولة”.
ماذا فعلوا . نجحوا في قمع الثورة بالقوة و بقوا في مراكزهم و أعادوا كل مواطن غير غوغائي الى منزله و استلموا أشلاء هيكل بدل لو كانوا أصحاب ضمير ووطنية لشاركوا بإعادة بناء الدولة والمؤسسات بدل القضاء عليها نهائيا.
لم تنتهي الثورة أبدا حتى لو أنهم صمتوا على قول الحق في انفجار العصر، انفجار مرفأ بيروت الذي لم يكموا أفواه القضاء وحسب وبل كل مؤسسات الدولة الأمنية و كشفوا عن اختراق الدولة المطوعة بالميليشيات المسلحة.
لم تنتهي الثورة حتى لو استعملوا لخرق القانون في الانتخابات النيابية التي صدمتهم نتائجه و أسقطوا نيابتي و هنا أتحمل كل المسؤولية على ما أقول .
إن الثورة لا تنتهي بالقوة و لا تنتهي بإسقاط شخص و سجن الاف و أو تركيب ملفات، ينجحون بكسب الوقت و لكن إعادة بناء الدولة دولة العدل والقانون هي حتمية ستلاحقهم الى الأبد.
المطلوب هو إعادة بناء كل المؤسسات ليكون انتمائها الى الوطن لا الى الزعيم او الى رئيس الطائفة.
إن ثورة 17 تشرين هي محطة من محطات استرجاع الدولة، ما حصل يومها لن يتكرر بذات المكون لأن كل زمن و حقبة ترسم ذاتها و ستنج هذه الثورة في محطة جديدة حتمية ربما يصنعونه خاطفي البلد بأيديهم الفاشلة لانتفاضة جديدة يبنى به الوطن.
لم و لن يستطيعوا أن يرهبوننا لا بـ ألاتهم القذرة للقتل و بتهشيمهم للقانون و الدستور و ستبنى دولة القانون الدولة ال “لا طائفية” و لو بعد حين.