بقلم عقل العويط
القضيّة ليست الرئيس، ولا انتخابه، بل الدولة وحدها هي القضيّة. وما دامت الدولة، دولة المؤسّسات، ليست الشغل الشاغل لـ”الناخبين” الفعليّين والافتراضيّين، فعبثًا ننتخب رئيسًا.
وعليه، كلُّ مَن عاد يشتهي – في هذا الزمن الخسيس المتمادي والمتطاول على الدولة والمنتهك دستورها وأمنها وسيادتها واستقلالها – أنْ يكون رئيسًا للجمهوريّة في لبنان، أسأله بأيّ عينٍ يشتهي أنْ يصير هذا الرئيس؟ وهو، إذا اشتهى، وهذا حقّه، فهل يستطيع، عمليًّا وواقعيًّا وفعليًّا وموضوعيًّا، وإنْ أراد، أنْ يطبّق الدستور لجهة كونه رئيسًا ؟
صاحب الحقّ هذا (أو ذاك)، المشتهي أنْ يكون رئيسًا، فليقلْ لي بأيّ طريقة، ووسيلة، وأسلوب، يستطيع أنْ يكون أمينًا للمادّة 50 من الدستور التي تنصّ على ما يأتي: “عندما يقبض رئيس الجمهوريّة على أزمة الحكم، عليه أنْ يحلف أمام المجلس (مجلس النوّاب)، يمين الإخلاص للأمّة والدستور بالنصّ التالي: أحلف بالله العظيم أنّني أحترم دستور الأمّة اللبنانية وقوانينها وأحفظ استقلال الوطن اللبنانيّ وسلامة أراضيه”.
للتبسيط أسأله : كيف سيحترم الدستور؟ والقوانين؟ وكيف سيحفظ الاستقلال وسلامة الأراضي، شرقًا وغربًا، جنوبًا وشمالًا، برًّا وبحرًا وجوًّا، وفي باطن البرّ والبحر ؟
وليُجِبْ: كيف سيسهر على الحدود الشماليّة والشرقيّة؟ والحدود الجنوبيّة؟ والبحريّة؟ وكيف سيمنع خروج المسلّحين والمقاتلين من لبنان، ودخولهم إليه؟ والتهريب كيف سيمنعه؟ والنزوح؟ واللجوء؟ والتسلّل؟ والقضم؟ وإدخال الممنوعات، وإخراجها؟ والأسلحة؟ وكيف سيصدّ الاعتداءات؟ وكيف سيصون الـ10452 كيلومترًا مربّعًا؟ وكيف سيستعيد… مزارع شبعا وشقيقاتها ؟
على سبيل التبسيط أسأله: كيف سيسهر على فرض احترام الدستور في مجلس الوزراء، وعلى حسن تطبيقه، لدى اقتراح مشاريع القوانين، وإصدار المراسيم، إذا كان مجلسه للوزراء تألّف بالتراضي والتوافق والمحاصصة؟ وإذا كان هذا المجلس سيسمح لنفسه بانتهاك الدستور أو بتعطيله، أو بالتحايل عليه؟ وكيف إذا كان هو قد جاء “انتخابه” بالتعيين، مليَّنًا بالفازلين، ومغلّفًا بآثام ورق التسويات الإقليميّة والدوليّة (الأميركيّة – الإيرانيّة – الصهيونيّة وملحقاتها)؟
وإذا مجلس النوّاب أصدر قانونًا يراه هو مخالفًا للدستور، أيكتفي بردّه؟ أيرفض أنْ يوقّعه؟ وإذا رفض، وأعرض المجلس عن الأخذ برفضه، أيستقيل انسجامًا مع اقتناعاته الدستوريّة؟
بتبسيطٍ كلّيّ: فليقلْ كيف تطيق كرامته أنْ يؤتى به رئيسًا، إذا كان لن يستطيع أنْ يكون أمينًا لقسمه، ولا أنْ يكون سيّد نفسه ومقامه؟
هذا بالنسبة إلى رئيس الجمهوريّة، الذي يليق بمقامه أنْ لا يطمح شخصٌ إلى منصبه وبعبداه (من بعبدا)، في هذا الزمن الخسيس المتمادي والمتطاول على الدولة والمنتهك دستورها وأمنها وسيادتها واستقلالها، وأنْ لا يشتهيه، لأنّه لن يكون “قدّه”.
أمّا الطامح، بعد “انتخاب” الرئيس، إلى رئاسة الحكومة، المشتهي أنْ يتربّع في سراياها، فسؤالٌ وحيدٌ إليه، على سبيل التبسيط الكلّيّ: فليُجِبْ هذا الذي يتوهّم أنّ في مقدوره أنْ تكون سلطته التنفيذيّة مستقلّةً عن السلطة التشريعيّة لا ملحقةً بها، وتابعةً لها (وخصوصًا مستقلّة عن رئيسها وغير ملحقة به وغير تابعة له)، فليقلْ كيف سيحكم إذا كانت حكومته تابعة لمجلس النوّاب، و”ساقطة عسكريًّا”، باعتبارها نسخةً مصغّرة (ومشوّهة) عن مسخ السلطة التشريعيّة وديموقراطيّتها “التوافقيّة”؟
أيجدي انتخاب رئيسٍ (ذمّيٍّ) في ظلّ هذا الزمن الخسيس المتمادي والمتطاول على الدولة والمنتهك دستورها وأمنها وسيادتها واستقلالها؟ تاليًا، أيجدي تأليف حكومةٍ (ذمّيّة)، برئيسٍ (ذمّيٍّ) للحكومة في هذا الزمن الخسيس نفسه الذي يحكم الدولة بمسدّسه المصوّب على دماغها فوق الطاولة وتحتها؟!