نجيب محفوظ والثلاثيّة : منهجيّة السياق وأدواته…

1/3

بقلم نبيل مملوك

تشكّل رواية بين القصرين لنجيب محفوظ وهي الجزء الأوّل من مشروعه الروائي الأغرّ “ثلاثيّة القاهرة” عتبة أساسيّة ومنوالًا يستعان به لنسج المشهد والكتابة المبنيّة على “اللصق” أي لصق الموجودات والأماكن والأشكال والحركة كما هي دون أي تلخيص أو اختزال٬ والحقّ أن غاية محفوظ كان تتوزّع على منحيين الأوّل الإبقاء على جعل القرّاء بمختلف خلفيّاتهم الثقافيّة والمعرفيّة سواسية خلال تلقّيهم لسياقات النّص الممتدّ على طول ٥٨٤ صفحة فضلًا عن الحوارات التي أتت عاملًا مساندًا للمشهد والتي تكاد تكون مسوّدات أو “ورق”- كمصطلح سينمائي/تلفزيوني – لتجهيز المخرج للكادر وتصوير المشاهد.

هذا الإسهاب المدروس الذي اعتمده نجيب محفوظ لم يكن سوى سيلان كتابي أوقعه في شرك مزاحمة المتلقّي حين وصف مثلا هواجس ياسين وما يعتلجه من عقد وأزمات بعد ورود كل الإشارات الدالة على سلوكه وصفاته.

وكذلك الأمر بالنسبة ل “السيد أحمد عبد الجواد ” التاجر المتخبط بين الاستبداد المنزلي والمرونة المجتمعيّة ورغم ذلك أتى محفوظ بعلم النفس من خلال زرع شخصيات مأزومة تحت سقف بيت واحد وظرف اجتماعيّ واحد و انقضاضه على نظام الأبوّة جاء مضمرًا من خلال التصوير.

وعودتنا الدائمة لفعل التصوير واللصق والنقل يعني أن المشهد بتفاصيله التي تضرّ وتعالج تعيدنا إلى جوهريّته ومكانته في هذا المشهد بالرغم من أن منهجية التماهي معه قد أثارت في بعض المواضع نفورًا خصوصًا حين ارتأى محفوظ التوغل في حقبة مصر السياسيّة.

أخذ نجيب محفوظ على عاتقه في هذا الجزء أن يكون مرشدًا يتعامل بوضوح مع تقنيات الرواية من المشهد المصاحب للمكان والزمان وصولًا إلى تكوين الشخصيّة الثابتة دون أن ينسى نسج بيئة تضمّ السياق كلّه تاركة للمتلقّي خيار تصديقها أو محاولة فهمها أو نقد السلوك الفرديّ بعيدًا من الظروف وحالة تكون المجتمع سياسيًّا وطبقيًا وثقافيًّا.

اخترنا لك