بقلم صخر عرب
لم أشاهد بالتلفزيون فيلم أو مسلسل “بيتر بان” أيام الطفولة أو الصبا، وإن شاهده أولادي وأولاد أخوتي وأصحابي وأبناء جيلهم. أيامنا لم تكن التلفزيونات تنشر بعد الصور المتحركة( أفلام الكرتون)، وحتى دور السينما لم تعرض ذلك. وأساسا لم يكن لدينا جهاز تلفاز، وحتى الكهرباء تأخرت بدخول بيتنا..
لم أقتنِ تلك الرواية. رفضت قراءتها ملخصة، مبسطة في سلسلة لونغ مان المدرسية. “Longman”
وأسفاه، كم تمنيت لو قرأتها حينها! لكن، ربما كان ذلك أفضل!
“جميع أطفال العالم يكبرون، ما عدا واحدًا، لا يكبر أبدًا”. إنّه بيتر بان الشخصية الخيالية التي تعيش في عالم الأحلام البعيد، في “نفر لاند”، البلد غير الموجود، حيث لا يكبر الأولاد أبدًا، ويبقون صغارًا. هكذا كتب سير جيمس ماثيو باري الكاتب القصصي والمسرحي الأسكتلندي عن ذاته عندما خلق تلك الشخصية.
كان جيمس باري الابن الأصغر لعائلة تضم عشرة أولاد. توفي أخوه ديفيد الفتى المدلل من والديه، وكان جيمس في السادسة، وقبل بلوغ ديفيد الرابعة عشر بيوم واحد. مات بحادثة تزلج. هزّت الوفاة أمّه هزّا، وتركت الحالة النفسية أثرًا لديه. قرّر أن يخفف عنها، فراح يقلد سلوكيات أخيه، ويرتدي ثيابه، ويقلد طريقته بالتصفير. تسلّت أمّه، ووجدت راحة بكون ابنها ديفيد سيبقى حيًا، ولن يكبر أبدًا.
ان رواية بيتر بان هي تجسيد لشخصية الروائي والمسرحي البريطاني جيمس باري بكل خلجاتها.
يزور بيتر بان ذات ليلة غرفة ويندي وجون ومايكل دارلنغ متسللا من النافذة، وفيما يغادر الغرفة تغلق ويندي شباك النافذة، فيعلق خياله بالداخل، وعبثا يحاول الصاقه ثانية بمساعدة ويندي، فيعقد صداقة معها ومع جون ومايكل. ثم يأخذ الأولاد طيرانًا إلى عالم من المغامرات والأحداث الخيالية. ينقل أبطاله من لندن إلى نفرلند ويعلمهم الطيران، حيث تدور مغامرات شيقّة ومسلية مثيرة مع الجنيّة الصغيرة تنكر بل، والجنيّات الطيبات والسكان الأصليين والحوريات والصبيان التائهين في الجزيرة، بمواجهة الأشرار وزعيمهم الكابتن الشهير القرصان “هوك” الشرير ذي اليد الخشبية التي تنتهي بخطّافة حديد. فيما نقوم ويندي بدور الأمّ التي تحنو على أولادها وترتو لهم ثيابهم وترتبها، ويقع بيتر بحبها، فتعده أن تطير إليه في ربيع كل عام لتنظف له بيته في الجزيرة وترتبه وترجع إلى لندن.
تلك قصّة سير جيمس ماثيو باري عن بيتر بان التي سحرت أطفال العالم وفتيانه في خمسينيات القرن الماضي، ولا تزال. والذي طار إلى الجزيرة الغريبة، وغاب مدّة، ولما رجع إلى بيته وجد أبويه قد نسياه واستبدلاه بولد آخر ينام في سريره، فغضب وقرّر العودة إلى جزيرة “نفر لند” الحالمة والبقاء هناك. وقرّر أن لا يكبر أبدًا، وألا تنبت له لحية، وأن يتابع مغامراته ويصارع الأشرار.
هي حكاية الجنّيات، والطيور والهنود الحمر، والقراصنة، والصغار الذين يطيرون بعيدًا للعيش في “نفر لند”. الذين نسوا أن يكبروا كما تقول فيروز. هي عالم البراءة ، والتي ربما لم يقرأها كثيرون، وهي أدب الصداقة والأحلام .
لقد وجدت في طبعة دار الرافدين ومنشورات تكوين وترجمة بثينة الإبراهيم، رواية ممتعة للكبار كما للصغار.
إنّها جديرة بالاهتمام لمن أحبّ القصص والروايات، ومدرسة رائعة بطريقة التأليف الروائي والأدبي، ولا بأس لو تأخروا في ذلك سنوات أو عقودًا..