مشروع ذاكرة بقلم هادي منلا
ناشط سياسي
يعمد الكثير من الذين يناصرون الجو التغييري أو الثوري على التعاطي مع ١٧ تشرين على أنها ذكرى، يجب إحياؤها كل سنة، للتذكير بما حصل في هذه الليلة التاريخية وما تلاها بعد ذلك من أحداث ونتائج أثرت بشكل واضح على المسارات العديدة في البلاد.
للأسف هذا ما تريده المنظومة تحديداً، لأن الفعل الذي انتجته ١٧ تشرين خلخل أساسات هذه المنظومة وشكل لها مصدر قلق وهي لا ترغب في تكرار هذا المشهد لما يشكله من خطر على استمراريتها واستمرار مصالحها عبر الفساد والسرقة والسلاح وتقاسم الحصص والطائفية.
من المفيد بمكان التذكير ان ١٧ تشرين ليست وليدة لحظتها، بل هي استمرار لمسار طويل ومحطات كثيرة، كان لي الحظ الانخراط بها جميعاً بشكل مباشر ليس فقط عبر المشاركة في التحركات التي انتجتها، وكانت بدايتها عام ٢٠١١ بحملة إسقاط النظام الطائفي، واستمرت بالتحركات والأطر الرافضة للتمديد، وبعدها بحراك ٢٠١٥ بعد أزمة النفايات، ثم المشاركة بالانتخابات النيابية عام ٢٠١٨ بوجه لوائح السلطة.
كل هذه المحطات استكملت بـ ١٧ تشرين، والتي هي محطة من هذه المحطات، وكلها كانت بوجه المنظومة، وإن اختلفت المقاربات والقوى المشاركة فيها.
ولكن ماذا بعد ؟ وكيف السبيل لترجمة ما قالته ١٧ تشرين في طريقة يتم ” تقريشها” في السياسة لتحقيق مكتسبات لوطننا وأبناؤه ؟
أذكر اني كنت حريص منذ انطلاقة الثورة على إعطاء البعد السياسي لها، وناديت كثيراً بذلك، وأن تخرج الأصوات في الشارع من إطار المطالبة إلى الفعل السياسي المباشر، كون أزمتنا هي نتيجة فشل في الإدارة السياسية للحكومات المتعاقبة وحلها ليس تقنياً فقط، وأن الحلول التقنية لمشاكلنا في العديد من القطاعات هي متوفرة وكثيرة، وبأسعار تناسب ميزانيتنا المتواضعة، ولكن لأسباب عديدة، منها ما هو موضوعي ومنها ذاتي، لم نستطع إنتاج رؤية سياسية واضحة وجذرية من رحم هذه الثورة، ومع انخفاض زخم الشارع والتطورات المتلاحقة بعد ١٧ تشرين، أصبح هذا الواجب تحيطه تحديات كثيرة وكبيرة.
ولكن رغم هذا، لم يفت الآوان لذلك، وعلى كل المجموعات والأفراد والتنظيمات السياسية الثابتة على نهج ١٧ تشرين الجذري ان تعمل على إنتاج هذا المشروع السياسي، خصوصاً مع التطورات الناجمة عن الحرب الإرهابية الصهيونية على غزة وما قد تنتجه لاحقاً، وهذا اقل واجب علينا القيام به خدمةً لبلدنا وشعبنا.