مشروع ذاكرة بقلم آمال حرفوش
مدير مؤهل لمكافحة الفساد
إن الانهيار الاقتصادي والاجتماعي الذي حصل في لبنان لم يحدث فجأة بل هو تراكمات لسنين سبقت اثقلت كاهل الوطن والمواطن على حد سواء.
إن الرؤية الوطنية لدى أغلبية من توافدوا على الحكم في لبنان كانت شبه معدومة، وان وجدت ، فقد كانت مشوهة. وكان من الواضح مسير البلد الى وضع متأزم، وبالتالي الى انهيار وقد بدأ ذلك يتكشف للعموم في السنوات القليلة التي سبقت 17 تشرين الأول ما أحدث تغييراً في فكر المواطن ولو بشكل محدود. فنشأت بعض المجموعات التي عملت على توعية الناس عبر اطلاق بعض الحركات التي بدت ضعيفة في وقتها ولكنها كانت بشكل ثابت ومستمر من دون كلل.
هذه المجموعات وان كانت بالعدد قليلة ولكنها أحدثت بعض الوعي عند الكثيرين ودفعت بهم الى طرح الأسئلة وعززت فيهم نية المحاسبة.
حركة 17 تشرين برهنت وبكل تأكيد عن إرادة شعبية كبيرة برفض الفساد الحاصل وتغيير الوضع القائم. فكان طلب الأغلبية اسقاط النظام العنصري الطائفي التوارثي, والمطالبة باستعادة الوطن وإعادة الأمل ومواجهة كافة أنواع الفساد وجميع أدواته في جسد الدولة السقيم.
إن الحركات الثورية تمثّل نقطة تحول في تاريخ الأمم، وغالبًا ما تبدأ بمجموعة صغيرة من الأفراد الذين يسعون إلى التغيير والإصلاح. ولكن في كثير من الأحيان، يتغير مسار هذه الحركات بشكل غير متوقع، وتصبح نتائجها عكس ما كان متوقعًا من البداية.
ظهر من الحراك أشخاص أصبحوا أوعى للخطر الداهم، فأصبحوا خطاً متابعاً وموازياً للمنظومة التي تدير الدولة، فكان حس المحاسبة لديهم عالياً ونية محاربة الفساد حقيقية. ولكن هذا الخط تم اختراقه فلم يبق موازيا إذ استطاعت المنظومة حرفه عبر استجراره الى معركة تمتلك جميع مفاتيحها وايهامه انه يستطيع المواجهة وبالتالي الربح.
ولكن كيف بالإمكان محاربة أخطبوط متمكن عميق القدرات، بقليل من الأصابع الضعيفة القدرات ؟
إن تواجد العديد من الأعضاء المنتمين للأحزاب داخل الحركات الثورية هو مظهر يثير تساؤلات كبيرة حول توجيه هذه الحركات و تحوير أهدافها النهائية. وقد كان أن الهدف الرئيسي لهذه المجموعة المنخرطة التابعة للأحزاب هو تحويل مسار الحركة نحو تحقيق مصالح الأحزاب التي ينتمون إليها، وليس لدعم قضايا الثوار.
بالإضافة الى ذلك ، وعلى الرغم من ضرورة دعم الحركات الثورية ماديا، إلا أن ربطها بالدعم المادي قد أدى إلى تبني العديد من النشطاء لأجندات خاصة تمثل مصلحة الجهات التي تدعمهم.
كان من الواجب على الناشطين ان يضعوا نظاماً قوياً لمحاربة الفاسدين من خارج جسد الدولة وأن لا يسمحوا أن تكون هناك انتخابات حتى تبقى المنظومة من دون دفع قانوني لوجودها. لكن تأثير المجموعات الحزبية التي انخرطت في الثورة و ظهور الأجندات الخاصة أدى الى حصول الانتخابات. إن الانتخابات النيابية التي حصلت بعد الثورة كانت واضحة النتيجة مسبقاً. فالانتخابات لها آلية عمل لا ينجح فيها الا محترف ومتمكن مادياً. لقد كان واضحاً أن نتائج هذه الانتخابات سوف تكون لصالح المنظومة و التغيير هو فقط عبارة عن إعادة تموضع الأحزاب لتجديد عهدهم وادارتهم.
و بالتالي ،كان تنفيذ استراتيجيات بعيدة المدى مع مجموعة لها أهداف لا تمت الى الثورة بصلة، لا بل و انغمست بالمصالح الشخصية أمراً شبه مستحيل.
ان الدخول في تفصيل التقييم هو استكمال للخطأ الحاصل فمن البدء استراتيجية العمل كانت غير رشيدة وعليه التفاصيل لن تكون قويمة
الرؤية الواضحة تحتاج الى استراتيجية واضحة. معركتنا تحتاج الى الكثير من العمل والقليل من الكلام، يقودها قادة لديهم كافة المهارات القيادية اللازمة والحس الوطني العالي . من الضروري أن نعي ان الفساد في الإدارات متأصل ويحتاج الى خطة لا تقل عن 12 سنة لمحاربته. إن إعادة تموضع البلد بقوة بين أقرانه الإقليميين بحاجة أكيدة الى وضع استراتيجية من الداخل تصبو الى إنهاض الوطن ورفعه الى مصاف الدولة المتقدمة.
إن الإصرار على السير على المبادئ التي تم الاتفاق عليها ليس بالأمر اليسير فالغالبية تغرق في معركة “الآن “.
إن المبادئ بالمطلق هي بعيدة المدى و صعبة المنال، ولكن نتائجها أكيدة، لا يصل اليها الا قادة يحملون كل المهارات القيادية، والإيمان الأكيد بالوطن، و القادرون على وضع خطط و استراتيجيات تحميهم من خطأ الوقوع في فخ الآنية.
هل نحن بلبنان نفتقد لـ هكذا قادة ؟
بالتأكيد لا، إن حراك 17 تشرين انتج قيادات لهم مهارات عالية ولم ينخرطوا بالفساد وتمرسوا واصبح لديهم الرؤية الواضحة ليصلوا للهدف المرجو.
ولكن، هل معركتنا الرئيسية هي مع الرويبضات الممسكين بالبلد او مع من يحركهم ويدعمهم ؟
لبنان بلد خلاق، ولديه جميع مقومات العيش. بلد تقتله الطائفية ومن يدعمها من المنظومة الحاكمة وما بعد بعد المنظومة. هذا البلد لا يموت. لكن استعادته من أيدي الأخطبوط يحتاج للكثير من تضافر الهمم الصادقة والوفية والعميقة التفكير.