مشروع ذاكرة بقلم هيثم الحكيم
ناشط سياسي
سنوات اربعٌ مضت على تلك الصرخة المدوية للشعب اللبناني التي زلزلت كيانات وعروش الزعامات السياسية الحاكمة بإسقاط النظام السياسي المذهبي التحاصصي السائد والانطلاق نحو المواطنة الحقيقية المبنية على المساواة بين أبناء الوطن الواحد…
ثورة عفوية لشعبٍ اثبت انه اقوى من الأحزاب، والتيارات والحركات التي ظنت وبغباء انها بتكريسها للمذهبية السياسية، بوسعها مع الوقت مسح الهوية اللبنانية وإلغاء الوطنية المتجذرة في أغوار النفس البشرية بإكسير أبدي أزلي سرمدي لا إرادي بقدسية الانتماء للأرض والولاء للوطن.
إنجازات ثورة ١٧ تشرين كانت وطنية بامتياز، اسقطت المحرمات وقدسية الزعامات المذهبية… وسقط معها الكثير، الطائفية، المذهبية، المناطقية وتبعات الحرب الأهلية القابعة بالوجدان اللبناني، فسقط جدار الخوف الصامت بين حملة الهوية اللبنانية الواحدة، والاهم تصالح الوطن مع مواطنيه…
فالنظام السياسي القائم على المحاصصة المذهبية الـ ٦ / ٦ مكرر المتجذرة بمفاصل الدولة ومؤسساتها لأكثر من ثلاث عقود مضت، أصابت الدولة بصميم سيادتها وهيبتها ،قوانينها وعدالتها ، فبدل من إرساء مفهوم الدولة تغلغل مفهوم الميليشيات بحرمتها، فسقطت دولة المؤسسات والقانون وتم تكريس قانون ميليشيات السلطة المذهبية بديلاً كأمر واقع…
ثورة بعفويتها تسللت كافة الأحزاب والقوى السياسية وتغلغلت بها ، الأجهزة الأمنية ومندسيها ، فلم تستطع اخمادها. من دمر ثورة ١٧ تشرين هم الثوار أنفسهم بعدم الاعتراف بتضحيات بعضهم البعض فمنيت بالهزيمة تلو الأخرى والسبب الجوهري المباشر بإن أكثرية المشاركين بها كان َيخطط مسبقا للمشاركة بالانتخابات النيابية كهدف وإقصاء كل من يهدد طموحه الممزوج بالمكتسبات بدل التضحيات… فعبث بحرمتها المضللون الفاقدون لمبادئ الوطنية فقبل ثورة ١٧ تشرين ليس كما بعدها، فكان لا بد للمعارض السياسي بعدم المشاركة بالانتخابات، فكيف الثائر ؟.
ولكن تواصلت التقارير الاستخباراتية بإن هناك إعداد تفوق بكثير إعداد ثوار الأرض في الأوتيلات تتحضر فعليا ! لخوض الانتخابات فتسلقوا جدار حرمتها وللأسف لم يحافظوا على قدسيتها لاستعادة الهوية الوطنية اللبنانية فضاعت الحقيقة الوحيدة…فنحرت الثورة بوريد قلبها لتفقد حكمة عقلها، وكان القتل المتعمد…
أولاً، بتشريع السلطة.
ثانيًا، بقانون انتخابي مذهبي.
ثالثًا، بآخذ الثورة إلى المعارضة السياسية وسوقها إلى حضن السلطة ،مشتتة مقسمة، متخاصمة متناحرة على أصوات شعبٍ طالب بوطن يفتخر بالانتماء أخيرا الى هويته… آخذ المعارضون السياسيون من يدعون الثورة الى الانتخابات من دون التسلح حتى باحترام قواعد النجاح الثلاث أقله…
- برنامج انتخابي موحد.
- لوائح انتخابية موحدة.
- ماكينة انتخابية موحدة.
فبانت الحقيقة انبثاق أحزاب في خضم الثورة معترفين بالسلطة مسبقاً لتقديم اعتمادهم بعلم وخبر ، ممثلين على الثورة دور الاحتكام للآليات الدستورية بمسرحية تغييرية للوصول إلى المخطط المنشود… الاعتراف بالسلطة وتشريع نظامها…
فسطى الجميع على قيم مبادئها وتلاعبوا بقدسية حرمتها وللأسف الشديد الجهل السياسي القائم بين من يسمون انفسهم بالنخب… فسقطوا جميعاً بامتحان الوطنية لحظة ترشحهم بصيغة مذهبية فتلقائياً سقط عنهم ذلك الامتياز المقدس…
اكثر من الف مرشح خاض الانتخابات باسم الثورة والتغيير اعترفوا بالسلطة وقانونها بمجرد الترشح… وسقطت عنهم صفة الثائر / ة، فالثورة والسلطة نقيضان لا يتفقان، إلا بعد تغيير النظام القائم، فأي تغيير انت مقبل عليه أساسًا إذا كرسته بنظام قانونه…
فبدل إخراجنا من الطائفية السياسية كرست المذهبية السياسية لنفقد ( الهوية والوطنية، الكيان والإنسانية ) وهي ركائز ثورتنا ، وكأن فعلاً هذه الطبقة السياسية اصلاً تحتكم للدستور فإذاً ؟ قانوناً أسقط هذا المجلس شرعيته بقانون آلياته وبنود فقراته لحظة انتكاس صلاحيات نائب الأمة ليصبح نائباً عن دائرة يمثل مذهبها لنحذف صيغة العيش المشترك بين أبناء الوطن الواحد…
وهنا ذهب قسم من وديعة تيار المستقبل للتغييرين والانتصار المزيف باسم الثورة والتغيير كان وسيبقى وصمة عار لكل من اعترف بهذه السلطة وشرع لها استمراريتها بنظام لا يرتقي للمواطنة وفازت السلطة بإحدى أهم معاركها في الزمن الحديث…
ولكن بدء زمن جديد لجيل تجرع الحرية بصيغة وطنية وهي اسمى انتصارات الشعب اللبناني بثورة ١٧ تشرين فكل من شارك بها سيفتخر يوماً بالمشاركة ويعيد سماع صرخاته بصوت وجدانه الروحي ( كلن يعني كلن ) ممن ضيع وطنية الوطن والمواطن لفترة من عين الزمن الخالدة بقاموس الوطنيين الأحرار و سينتظر بعين ثاقبة من يحقق طموحه وآماله ببناء مستقبل يفتخر بالانتماء والولاء وفاءً لهويته الوطنية اللبنانية ومستقبل شعب قال كلمته بأعلى الصوت واستكان ليأخذ جرعة من أخطاء الماضي ويتعلم من دروس الحياة مستقبلاً معنى الوطن والوطنية.