‎خطاب السّيد نصرالله بين الواقعية والشعبوية

بقلم سامي الجواد
كاتب وناشط السياسي

لم يكن خافيًا إلا على فقيري العقول، أن أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله، لن يعلن حربًا في احتفالات جمهورية، متنوعة الساحات ومحددة التوقيت والمكان. ما كان خافيًا قبل خطاب السيد نصرالله، هو المعادلة التي سينطلق منها في سياق تحديد الموقف السياسي، والمخطط الميداني المتصل بالمعركة الجارية راهنًا على أرض فلسطين، والأولويات التي ستعتمدها تلك المعادلة.

لم تكن المقاومة الإسلامية التي يتقدمها حزب الله المحور الوحيد في خطاب السيد نصرالله ، فمن الواضح أن هناك دمًا عربيًا مسلمًا فلسطينيًا قد تصدر عناوين البطولة والتضحية والمظلومية في آن، في مشهد نادر على الساحة الإسلامية، حيث خَفَتَ وهج الفتنة الطائفية والتنافس المذهبي المتنافر. إذًا، حاول السيد في خطابه تظهير انسجام حقيقي بين مختلف ساحات وحركات المقاومة في إطار من الشراكة وليس التبعية، في محاولة ناجحة للاستفادة من تراكم الالتفاف الشعبي العربي حول القضية الفلسطينية ولو من منطلق إنساني في حدوده الدنيا.

في السياسة أراد نصر الله تثبيت مرجعية حركة حماس والإقرار بها والإعلان عنها كفريق مستقل فاعل في حركة علاقاته الإقليمية، فحركة حماس ومن شاركها هم أصحاب القرار في عملية طوفان الأقصى توقيتًا وتنفيذًا، وبالتالي نفى أي غاية إيرانية من وراء العملية بعد ما جرى الحديث عن هدف إيران المضمر من العملية وهو وقف قطار التطبيع العربي مع الكيان “الإسرائيلي”.

وهنا، يأخذنا تأكيد السيد نصرالله على استقلالية القرار الحمساوي فالفلسطيني تباعًا، إلى تفسير آخر لا يخلو من سوء الظن ربما، بل هو تفسير يحمل أوجه عديدة : هل قصد أمين عام الحزب أن يغسل يد إيران من أي مشاركة من شأنها أن تحملها تبعات سياسية أو عسكرية أو كلاهما ؟؟

أم هل كان استبعاد الشراكة الإيرانية في العملية يقصد إلى الاستفادة من حالة التضامن العربي والإسلامي مع الشعب الفلسطيني عمومًا، والالتفاف حول حركات المقاومة الفلسطينية كأحزاب وخيارات، في حين قد تكون الشراكة الإيرانية ( الفارسية – الشيعية ) محل ريبة واستفزاز ربما، لدى الأكثرية العربية الإسلامية ذات الطابع السني.

برع السيد نصر الله في الاستفادة من أجواء التضامن العربية مع المظلومية الفلسطينية، لا سيما من شعوب ومواطني دول الطوق، فتجنب توجيه أية رسائل قاسية إلى حكومات تلك الدول ولا سواها، لا سيما تلك التي تقيم علاقات ديبلوماسية مع العدو “الإسرائيلي”، واكتفى بالدعوة الروتينية إلى قطع العلاقات وسحب السفراء.

كذلك برع في الإشارة إلى الخلل الكبير في السياسة والدعاية “الإسرائيليتين”، حيث اعتاد “الإسرائيليون” رفع سقف مطالبهم ثم القبول بما دونها، الأمر الذي يحرج الحكومة “الإسرائيلية” أمام جمهور شعبها وأمام الرأي العام العالمي والغربي تحديدًا ويطعن في مصداقيتها كما في فاعليتها.

على المستوى اللبناني تعددت القراءات السياسية لخطاب السيد نصرالله باختلاف، الأمزجة والمنطلقات.

المزاج المتحمس للحرب من بيئة حزب الله السياسية، كان تواقًا للتصعيد الذي يشفي الغليل ويحاكي الوجدان، دون أن يخفي خشيته من تداعيات لا تستطيع فئات اللبنانيين كافة تحملها. أما الأصوات التي لطالما كانت مناهضة للحزب وتطالبه بتسليم سلاحه أو قرار هذا السلاح بأضعف الإيمان، فكانت تنتظر من نصرالله قرارًا بالإلتحاق بالحرب، قرار يشفي غليل المتحمسين للقضية الفلسطينية إذا ما اتخذ، ويشفي في آن قلوب المشككين في مصداقية نصرالله وبالتالي مصداقية المحور الذي يقوده أو ينتمي إليه في حال لم يتخذه.

لقد بدا السيد نصرالله متيقظًا لكل الموازين القائمة وتحولاتها، آخذا بعين الاعتبار ما يمر به الشعب اللبناني من مشاكل وأزمات. فلبنان ليس بحاجة إلى حرب كي ينهار. فنحن في قعر الهاوية دون أفق أو خطة أو حتى تكهن بالغد الذي ينتظرنا.

يحسب للسيد نصر الله ترويه وحرصه في حمل العصا من الوسط، فلا يدخل لبنان في أتون معركة ثقيلة الرحى، ومن خلال عملياته المتكررة والمتتالية على طول الحدود، لا يكون قد تخلى عن نصرة الشعب الفلسطيني عبر تعطيل القوة العسكرية “الإسرائيلية” واستنزافها.

بالعودة إلى سوء الظن تحريًا، هل كان قرار السيد حسن نصر الله أمين عام حزب الله بعدم الدخول في حرب شاملة حتى الآن، يعود إلى قرار لبننة السلاح، بل إلى لبننة القرار فتكون مصالح لبنان هي الأولوية ؟؟ أم أن هذا القرار يتماشى مع سلة من تفاهمات هي أبعد بقليل ربما من حدود لبنان، واستطرادًا أبعد من خلفيات المعركة ومعظم تفاصيلها توقيتًا وأحداثًا ومسارًا ؟؟

لقد تساءل كل من تناهت إليه تفاصيل الخطاب، وكل من سمعه، عن شعارات كبيرة أطلقت، سواء ما يتصل منها بوحدة الساحات أم تلك التي تهدد بإزالة “إسرائيل” من الوجود. هل كانت تلك الشعارات أوهاما تباع ؟ أو كانت اللازمة الواجبة الترداد عند كل حدث يحتاج فيه البعض إلى الدخول إلى الساحة العربية، سواء عبر مقدساتها أو عبر دماء أبنائها.

هذه التساؤلات التي نجح السيد نصر الله في مقاربتها كما في تجاهلها واضعًا معطياته المحلية كأولوية في مقاربة المعركة الراهنة. حتى أن محللين “إسرائيليين” اعتبروا أن نصرالله لم ينجرف نحو القرارات الشعبوية غير ذات الأفق الواضح، فينزلق في الحرب، مفضلاً الكسب على المدى الأطول.

مستجد وحيد طرأ على خطاب الحزب وهو التحذير المقابل للتحذير الأمريكي. الأمل أن يكون التحذير ممتلئ العناصر كتلك الموجودة على الجبهة الجنوبية اليوم، حيث لا يجرؤ الاحتلال على مخالفة قواعد الاشتباك فاقدا زمام المبادرة، لا أن يكون كفقاعات الرئيس الإيراني السابق الذي لطالما جعلنا نمني الأنفس بلحظة الهجوم الإيراني الموعود والمنتظر.

الواقعية السياسية والميدانية كانت واضحة في ظاهر كلام أمين عام حزب الله، أما بواطن القرار فتبقى ملك القيمين عليه والمحاطين علمًا. لكن ما لم يأت السيد نصرالله على ذكره أن من جملة أسباب امتناع الحزب عن خوض الحرب هو عدم جاهزية الأرض لتقبل أي حرب، فحالة الانهيار الشامل التي نعيشها اليوم تحول دون وجود أدنى مقومات الصمود، كشرط مسبق للالتحاق بأي حرب. هذا الانهيار الذي كان الحزب نفسه شاهدًا عليه وشريكًا في بعض أسبابه.

اخترنا لك