“إسرائيل” بين الكيان والدور في ضوء حرب غزة

بقلم سامي الجواد
كاتب وناشط سياسي

عقد في العام 1905 مؤتمرا دوليا في العاصمة البريطانية لندن، بدعوة من حزب المحافظين، واستمرت جلساته السرية حتى العام 1907 . ضم المؤتمر الى بريطانيا كل من فرنسا ،هولندا، بلجيكا، اسبانيا، إيطاليا.

هدف المؤتمر آنذاك كان المحافظة على تفوق الدول الاستعمارية وضمان استمرار هيمنتها إلى أقصى زمن ممكن. الخطوة الأساسية لضمان نجاح هذا المشروع، كانت تدمير العالم الإسلامي بشكل عام والعالم العربي على وجه الخصوص، لمل يمثله الأخير من مركز حيوي للتجارة العالمية، إضافة إلى ما تختزنه أرضه من موارد طاقة كان المؤتمرون يعلمون بوجودها منذ ذلك الحين.

القومية العربية كانت عقدة أمام المؤتمرين، فعلى شواطئ المتوسط الذي يصل الشرق بالغرب، يعيش شعب واحد يتميز بوحدة التاريخ والدين واللغة.

لتحقيق غاية المؤتمر المذكور اتفق المؤتمرون على خطة طويلة الأمد جاءت في متن توصيات المؤتمر وسميت بـ ( وثيقة كامبل ) على اسم رئيس الوزراء البريطاني “كامبل بنرمان”. وأبرز ما جاء في الوثيقة التوصية :

العمل على تفكيك وحدة الدول العربية والإسلامية.

عدم تمكين هذه الدول من أسباب التقدم العلمي والتكنولوجي إقامة دولة عازلة على أرض فلسطين يمكن من خلالها عزل الجزء الآسيوي عن الجزء الأفريقي من الدول العربية.

من النقطة الأخيرة ندخل في موضوع المقال لنجزئ جوهر وجود الكيان الإسرائيلي على أرض فلسطين إلى جزئين :
الأول هو قيام وطن قومي لليهود يجتمع فيه شتات اليهود القادمين من أربع جهات الأرض، وذلك تحقيقا لأهداف ونبوءات تلموديه غير توراتية ولا دينية. أما الجزء الثاني هو تأدية الدور الذي رسمته الدول الاستعمارية والتي انضمت إليها الولايات المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية، وبروزها كدولة عظمى شريكة لباقي الدول التي تستعمر الشرق.

الهدف الأول لقيام إسرائيل قد فشل وتم إجهاضه عبر عملية طوفان الأقصى وما سسببه من نسف لكل مسلمات القوة والأمان والتفوق الذي لطالما وعد الكيان مجمل الوافدين إليه من يهود الشتات ذوي الجنسيات المختلفة.

وعليه، لم يعد الكيان الإسرائيلي يشكل مساحة الأمان المنشودة ليهود العالم، ولا نرى إمكانية استعادة هذه الميزة في المديين القصير والمتوسط . فالقدرة على استقطاب مهاجرين إضافيين باتت معدومة، وكذلك في رأينا القدرة على استعادة الذين هربوا من الكيان تحت وطأة الحرب ووقع الصدمة القاتل.

اليوم، تستمر الحرب ليس فقط لأن إسرائيل تحاول الانتقام وحفظ ماء الوجه، تستمر لأن المطلوب المحافظة عليه، هو الدور الذي زرعت إسرائيل لتأديته. فإسرائيل هي العين والأذن والذراع الأمنية لقوى الاستعمار، وزوالها أو هزيمتها من شأنه أن يطيح بمصالح الغرب كافة. فإسرائيل الفزاعة عندما تنكسر، سيتغير معها كل المزاج العربي المتصل دينا ولغة وتاريخا وجغرافيا، ولن يستطيع الغرب الاستمرار في امتطاء دول العرب واستغلال خيراتها.

الحرب الدائرة اليوم إذن، ليست حرب إسرائيل ضد غزة والغزيين، إنها حرب الغرب كل الغرب دفاعا عن خط الدفاع الأول عن مصالحه وبالتالي قوته الاقتصادية فالسياسية. الحرب هي حرب المحافظة على مصادر الطاقة الهائلة الكامنة في المنطقة العربية، تلك المصادر التي قد يكون بحر غزة وبرها من أغناها . هي حرب المحافظة على المعاهدات القائمة والمنتظرة بين الكيان الإسرائيليين والدول العربية، لأن انتصار غزة وخيارات غزة من شأنه أن ينعكس على استقرار كافة الحكومات العربية المتصلة بالصراع العربي الإسرائيلي بشكل مباشر أو غير مباشر.

اخترنا لك