حرب غزة والشروط الضرورية لتحقيق الصمود اللبناني المطلوب

بقلم د. وهيب سلامة

بينما تدخل حرب الإبادة الصهيونية ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة والضفة الغربية يومها الـ ٤٥ ضمن خطة اقتلاع الشعب الفلسطيني من أرضه التاريخية، وتنفيذا للمشروع الصهيوني الأصلي، والهادف الى السيطرة الكاملة على كل فلسطين وإنهاء القضية، والتخلص من الكتلة البشرية الفلسطينية عبر عمليات الاقتلاع والتطبيع والتطويع، وإعادة التوزيع من خلال نكبة جديدة على البلدان المحيطة والبعيدة.

كل هذا يجري، مع ما يحفل به الميدان الفلسطيني، من مجازر دموية يندى لها الضمير الإنساني، وبخاصة مواقف الدول الأوروبية و أمريكا و ”العالم المتحضر” الذي يغمض جفنيه عن أبشع إبادة بشرية في التاريخ الحديث بكل ما تتكدس داخلها من بشاعة ورعب وهمجية متوحشة ضاربة عرض الحائط جميع المواثيق والمعاهدات الدولية والحقوقية والمفاهيم الأخلاقية والإنسانية وكل الشرع العالمية، وفي تناقض واضح بين المفاهيم والادعاءات وتعريفات الضحية والجلاد، وحق الدفاع عن النفس، المحتل والمعتدي الإرهابي ..!

هذا الخلط والتجاهل المطلوب، القصد منه تأمين أطول فترة من الوقت للدولة الصهيونية لكي تنجز مهمتها في تنفيذ مخططها الانتقامي الرادع، والسيطرة الحاسمة والطويلة الأمد لإنجاز المراحل المتقدمة من مشروعها الأصيل، بصفتها قاعدة متقدمة للدفاع عن مواقع المستعمرين القدامى والجدد، ونهب خيرات شعوب المنطقة، والتدخل في خياراتها السياسية والاجتماعية والوطنية. وفي ظل عجز عربي وإسلامي عن مد يد العون للشعب الفلسطيني الذي يواجه منفرداً الآلة العسكرية الإسرائيلية المجرمة.

اذاً وبينما تدخل المواجهة الفلسطينية – الإسرائيلية اليوم الـ ٤٥ بعد العملية البطولية التي شنتها “حركة حماس”، والتي وجهت خلالها ضربة عسكرية وامنية واستراتيجية وجودية للدولة الصهيونية، وما نتج عنها من خسائر تكبدها المحتل الغاصب، وما تلا ذلك من هجوم صهيوني غاضب ضد الشعب الفلسطيني الصامد على ارضة، وما تخلله من مجازر صهيونية ترتكب في كل لحظة ضد الأطفال والنساء والشيوخ، وكذلك ضد الصحافيين والجسم الطبي الاستشفائي هذه المجازر التي صنفت من قبل العديد من المؤسسات الحقوقية والدولية كجرائم إبادة جماعية وجرائم ضد البشرية.

وفيما حرب الإبادة ضد الفلسطينيين في قطاع غزة والضفة الغربية تستعر وترتفع ارقام الشهداء والمصابين، تتصاعد المواجهات على ارض فلسطين ويجرى تسخين المواقع الحدودية بين لبنان والدولة العبرية. إذ اندلعت ومنذ اليوم الثاني لعملية ٧ تشرين ما سمي بالحرب المنضبطة ضمن “قواعد الاشتباك” المتفق عليه، والتي ترتفع مخاطرها وتزداد خسائرها ونتائجها الكارثية و المنذرة بتدحرجها اتساعاً وخطراً .

ورغم التدخلات والاعلانات والاتصالات المستمرة بين جميع القوى والأطراف الفاعلة إقليميا ودولياً لمنع اتساع وحصر رقعة المواجهات، فقد سقط العديد من الشهداء خلالها ما يزيد عن 70 شهيداً ”للمقاومة الإسلامية”، عدا المدنيين والإعلاميين، مضافاً لذلك النزوح الواسع من القرى والبلدات الحدودية واحراق الحقول والمحاصيل الزراعية، وتدمير للبيوت وتشريد للطلاب وذويهم بعيداً عن منازلهم ومدارسهم وفي ظروف نفسية واجتماعية ومعيشية خانقة وضاغطة…

تضاف هذه المخاطر، واحتمالات توسعها بفعل التهديدات الإسرائيلية، إلى الوضع الاقتصادي والمالي الذي يعانيه لبنان واللبنانيين، في ظل حالة التفكك والاهتراء للدولة ومؤسساتها والذي يقاد بحكومة تصريف للأعمال، جراء شغور موقع رئيس الجمهورية وفراغ العديد من المؤسسات الشرعية، والأمنية وانعدام الإمكانيات المادية والمالية للصمود والمواجهة، وحالة الانقسام الأهلي العمودي. وهي الأسباب التي تمنع إمكانية تنفيذ أية خطة طارئة للمواجهة سواء منها الصحية أو الاجتماعية المعيشية وذلك بفضل عدم الجهوزية وانعدام الإمكانيات المادية واللوجستية والبشرية للمستشفيات والمؤسسات الصحية في الجنوب وفي كل أنحاء الجمهورية المترنحة.

ورغم الكلام الرسمي  والاجتماعات الوزارية التي تمخضت عن قرارات بتشكيل “خلية ازمة” لمواجهة المخاطر والأزمات الزاحفة، فإن الجهود والاجتماعات الوزارية والنيابية لم تتخطى إعداد الخطط الورقية، غير المضمونة التنفيذ، بالنظر للواقع الاقتصادي والمادي والإفلاس الذي تعيشه الدولة والمؤسسات، بما فيها، الصحية – الرسمية منها كما الخاصة، وقبل انفجار الأوضاع الخطيرة وتداعياتها المحتملة على البلاد. اذ هي ما زالت تترنح تحت تأثير الازمة العاصفة، وغياب أي خطة إنقاذيه بديلة تعيد البلاد الى سكة التوازن المالي والاقتصادي والاجتماعي. اذ إن البلاد تعاني من انهيار المخزون الدوائي والغذائي كمية ونوعية، وانعدام الصيانة وهجرة الكوادر المتخصصة والكفؤة من الأطباء والممرضين.؟؟؟

إزاء هذه الوقائع القاهرة والصادمة تبقى المراهنة على الدعم الدولي من المؤسسات والجمعيات والتي هي بالأساس المساهم الأول، بفعل غياب وعجز الدولة، والضامن المتبقي لبعض الخدمات الطبية المرضية والاساسية للبنانيين والمقيمين، والتي لا يمكن بأي شكل مقارنتها بالإمكانيات المطلوبة لمواجهة حالات الكوارث العسكرية الطارئة، مع ما ينتج عنها من زيادات في الإصابات والاستهلاك المطلوب من المواد الطبية والمستلزمات الاستشفائية والغذائية والمياه والمحروقات. وما يترتب علية من دمار في البنية التحتية المدنية والعمرانية.

والمهمة الأساس على اللبنانيين جميعاً بغض النظر من انتماءاتهم الحزبية والمناطقية والطائفية والطبقية، تتعلق بتضافر الوعي والإرادة، لتغليب المصلحة الوطنية وتجنيب البلاد المغامرات غير المجدية، وإعطاء المبررات المجانية للعدو الصهيوني المتربص بالوطن شراً، عبر العودة المجددة لاستعمال  البلد ساحة لتبادل الرسائل وممارسة الضغوط ضمن الصراعات الإقليمية، والتي يمكن أن تسبب خسائر صافية بالأرواح والعمران، وتهديداً لوحدة الوطن وشعبه ونهوضه واستقراره.

اخترنا لك