الفراغ الرئاسي ومعادلات الإقليم

بقلم سامي الجواد

كثيرة هي الخلاصات التي فرضت نفسها خلال فترة الفراغ الرئاسي، أولها أن الفراغ ليس في ذاته همّا يتصدر أولويات المعنيين بملئه أم بالاستثمار فيه على حد سواء.

أما ثانيها، وهو تحصيل الحاصل، فهو غياب الإرادة اللبنانية بشكل شبه كلي عن مجريات الانتخابات الرئاسية، والدليل الساطع على ذلك هو أن ما أدى إليه انهماك المشغلين الدوليين و الإقليميين بما يجري في فلسطين المحتلة من جعل الاستحقاق الرئاسي مع كل ما يحيط به من ضرورات قانونية ودستورية، ومع كل التداعيات التي من شأن أي فراغ في السلطة أن يخلّفه، جعل من هذا الاستحقاق أمرا ثانويا غير ذي شأن ولا ذي أولوية.

داخليا، وعلى المستوى الدستوري لا فراغ واقع. فمجلس الوزراء هو السلطة المنوطة بها صلاحيات رئيس الجمهورية عملا بنص المادة 62 من الدستور. إلا أن ثمة جدل يدور أحيانا حول صلاحيات هذا المجلس ومدى شمولها كل صلاحيات الرئيس أو بعضها أو الضروري منها.

لذلك، فإن ثمة شلل قد أصاب بعض المرافق الأساسية لا سيما المرفق التشريعي، الذي يجتهد البعض اعتباطا بعدم جواز التشريع في ظل الفراغ الرئاسي، هذا الإجتهاد الذي يفقد في رأينا أبسط مقوماته القانونية بل البديهية حتى، من مقومات الحكم الدستوري حيث أن لا فراغ في الحكم أولا، وحيث أن التشريع ممنوع في المجلس الملتئم لانتخاب الرئيس فقط وليس في سائر الجلسات.

هذا، بالإضافة إلى الشغور المرتقب في قيادة الجيش والمديرية العامة لقوى الأمن الداخلي، دون أن ننسى أن كل من الأمن العام ومصرف لبنان يسير أمورهم بالإنابة اللواء البيسري ونائب الحاكم منصوري. أما القضاء فحدث ولا حرج إلى آخر الأمثلة الفاقعة من أمثلة الجمود الإداري والتخلف الحكومي.

أما على المستوى السياسي ، فالفراغ مرده من جهة إلى استسهال البعض، قصدا أو عفوا تسخير كل الاستحقاقات والمهل الدستورية والقانونية لتحقيق مآرب خاصة فئوية وأحيانا شخصية، وذلك أدهى وأمر. ومن جهة أخرى يضع البعض الآخر بيضة الرئاسة في سلة التوازنات الإقليمية المتأرجحة راهنا على كفتي المعادلة.

هنا، تجدر الإشارة إلى لازمة حازمة يرددها النائب السابق في البرلمان اللبناني منيف الخطيب عن لسان رئيس مجلس النواب الأسبق الراحل كامل الأسعد يقول فيها ما مضمونه أن لبنان يتعرض لمخطط تآمري صهيوني يستهدف دوره وكيانه.

وطالما أن المجلس النيابي يقوم بدوره في تأمين الاستحقاقات الدستورية من انتخابات رئاسية ونيابية وحكومة شرعية وموازنة سنوية وقطع حساب، فإن هذا المخطط لن يكتب له النجاح. أما إذا فشل المجلس في القيام بهذا الواجب الوطني الكبير، فلا يعود هناك حاجة للمخطط التآمري المذكور، لأن البلد سيدخل في حالة التدمير الذاتي، وهذا ما وصلنا إليه اليوم ونعيش تداعياته المريعة.

بالعودة إلى الفراغ مسبباته ومسببيه، نعود لنؤكد افتقار الميدان السياسي اللبناني الداخلي بشكل واضح إلى لاعبين وطنيين حقيقيين، فمعظم اللاعبين لا سيما الفاعلين منهم، ليسوا إلا بيادق تتحرك بحسب رغبة ومصلحة اللاعب الدولي الإقليمي ووفقا لإرادته، حتى بات الفراغ الدستوري العتيد خبرا ثانويا في نشرات الأخبار وبندا تفصيليا على جدول أعمال القوى السياسية على اختلافها.

إن ارتهان الطبقة السياسية الراهنة للخارج جعل المقامات والمواقع الدستورية لا تشكل أكثر من مواقع نفوذ واستثمار لا علاقة لها بالمصلحة الداخلية ولا حتى بالوجدان الوطني العام. هذا الوجدان الذي نراه اليوم أسير الفضائيات التي تنقل أخبار الغزّيّين لأنها أخبار لامست الوجدان اللبناني والعربي والإسلامي من زاويتها الإنسانية ، فيما يرزح البلد تحت فراغ قاتل لم يعد يشكل لدى اللبنانيين أكثر من خلاف على قطعة جبنة.

اخترنا لك