بقلم عقل العويط
قال لها أنسي الحاج لم يعد في العالم دمعة.
إنّها تمطر فوق البحر.
وسألها: ما سعرُ رجلٍ حزين ؟
وأردف: أرجعُ إليكِ لأسقط. أرجعُ إلى الكلمات أُبغضها. من منفايَ ألوّح وأصرخ: لا تتوقّف أيّها العدوّ، يا حبّي.
ريشةٌ صغيرةٌ تهبط من عصفور
في اللطيف الربيع
تقطع رأسي.
… في ذكرى غيابكَ العاشرة، يا أنسي، أنتَ الذي ينام في رأسي، ويستيقظ في رأسي، أنتَ الذي أنا أمُّكَ، وتأخذني من نومي، من يقظتي، إلى حيث تهجع أوجاعكَ، كيف أستطيع أن أنقلكَ إلى حياتي، إلى الحياة، لتعبث قليلًا كثيرًا، لتحبّ كثيرًا كثيرًا، كيف يمكنني أنْ أخدم مقتلتكَ الشعريّة والحياتيّة المهيبة ؟
وكما في هذا الوقت، كما في كلّ الأوقات، تهجم ولائم الأوجاع والكوارث، التي مثل القتل المبصر المبحلق، تجعلني أظلّ أسأل كيف يمكنني أنْ أواصل الصعود إلى أوجاعكَ الشخصيّة التي لا أحد، لا أحد، مثلي، يعرف كيف.
في ذكرى غيابكَ العاشرة، يا أنسي، أراكَ تكتب الوصيّة، وتقول لها أرجو أن تعتبريني مفصولًا من الخدمة، أنا الرجل الذي تجهلين لن يكون لكِ رجلٌ غيري، دخلتُ كنيستي فما وجدتُ شمعةً بحجم حيرتي.
وسمعتُ حنانكَ البضّ مناديًا إيّاها: أنا الثعلبُ وأنتِ الثلج.
في هذه المناسبة، تنشر “النهار” لكَ، نصوصًا مجهولة، وتدعو المعنيّين وأهل الاختصاص ومراكز البحث الأدبيّ والصروح الجامعيّة الكبرى، إلى مباشرة عملٍ توثيقيّ وتأريخيّ وتبويبيّ متكامل لدرس الأدب اللبنانيّ الحديث عمومًا، ولاكتشاف – خصوصًا – نصوصكَ الغفيرة والغزيرة التي لم تُطبَع في كتب، ولم يتسنّ تاليًا لدارسيكَ، وعارفيكَ، ومتابعيكَ، ومريديكَ، وناشريكَ، أنْ يطّلعوا عليها… لأنّكَ أنتَ نفسكَ قد تكون نسيتَها، أو ربّما أغفلْتَها، أو غفلْتَ عنها، بسبب غزارة ما أنتجْتَه، وما كتبْتَه، وخصوصًا في الأزمنة الأولى من الستّينات (وما قبل الستّينات)، وهي خزّانكَ الكتابيّ الأعظم.
إنّي، يا أنسي، سأظلّ أراكَ بيننا، وأرى شعركَ فينا، كمثل دمعةٍ، كمثلِ نسمةٍ مُعارةٍ من الأبديّة.