بقلم روزيت فاضل
متى عاد السيد، أي الإمام موسى الصدر، وماذا قال لناسه؟ رحلة افتراضية أرادها الدكتور علي خليفة في كتابه “عودة السيّد، التفاصيل المغيّبة من الرحلة الأخيرة لموسى الصدر”، على هامش المهرجان اللبناني للكتاب في أنطلياس اليوم السبت 2 آذار من الساعة السادسة مساء حتى الساعة التاسعة في جناح مؤسسة ألف ياء للنشر.
سيناريو العودة خيالي مع نقل واقعنا المرير. في التفاصيل أنه وبعد اندلاع الثورة على حكم الطاغية في ليبيا، وتدافُع الجموع لتحرير السيد من سجنه في الصحراء، “لم يقل أحدٌ إن السيد خرج من السجن، لكن قالوا إن السجن خرج منا جميعًا”.
وبينما السيد يتقدم الجموع المتوافدة من الجهات الأربع للصحراء لتودّعه، “امتلأ قلبه بالعبرات وصليل الأعوام العجاف المغروزة كالوتد في محراب ذاكرته”.
يتابع الدكتور علي خليفة مؤلف كتاب عودة السيّد، التفاصيل المغيبة من الرحلة الأخيرة لموسى الصدر سرده واصفًا لحظات خروج السيد الصدر من السجن: “وامتزج سعيه بين أثلام الرمال والناس والذكريات
بالنسائم التي تشرق لها روحه لكأنها قادمة من أرض عاملة”.
من أين يأتي
ويكمل خليفة البيوغرافيا المتخيّلة لعودة الصدر، ويصف رجوعه متلهفًا إلى أرض أجداده في ال#جنوب وعبوره نقاط التفتيش والمراقبة على أرض المطار ليسأله رجل الأمن: من أين تأتي؟ فيجيبه السيد من طرابلس فيردف رجل الأمن قائلاً للسيد إنه بحسب التقرير الذي بحوزته يمكنه استلام حقائبه من باب الرحلات القادمة من روما.
إذا بالسيد يفاجأ، ولكن لهفته للقاء أهله دفعته للعمل بمقتضى هذه التعليمات تفاديًا للمزيد من الأسئلة وإضاعة الوقت.
كان جُلّ ما يشغله هو الوصول أخيرًا إلى صور ومعركة والسحور في جنوب لبنان ولقاء من عرفهم ويعرفونه…
هنا تبدأ سلسلة من الحوادث يكتشف من خلالها السيد موسى الصدر كل الأحداث الطارئة منذ تغييبه وحتى الآن، بأسلوب سردي يشبه إلى حد بعيد حوار النبي والناس في رائعة جبران خليل جبران.
يبدأ أهالي الجنوب بمخاطبة السيد موسى الصدر بعد كل هذه الغيبة. فيرتابون من عودته بدايةً وسط تململ بعض مشايخ وعلماء الشيعة من حضوره الطاغي في استعادة لأحداث التاريخ السياسي والاجتماعي لجبل عامل، حيث يستخدمها المؤلّف بعناية بالرجوع إلى حقبة السيد عبد الحسين شرف الدين الذي كان يثني على حضور السيد الصدر بينما يرتاب منه آخرون وفي طليعتهم الشيخ حسن بيضون.
تدور معظم الأحداث على شكل حوارات بين السيد موسى الصدر وأبناء الجنوب فيسألونه عن الدين والسياسة والاقتصاد والثقافة والمجتمع والمرأة ودورها والتربية والصورة وطقوس عاشوراء والارتباط بالجمهورية الإسلامية في إيران التي لم يشهد إعلانها السيد ولكنه حذّر من ارتباط اللبنانيين الشيعة بإيران وتفريطهم بالوحدة الوطنية اللبنانية. ويسألونه عن المقاومة والشيعية السياسية وفلسطين فيجيب السيد أنه ناشد الجميع أن “ينخرطوا في أفواج المقاومة اللبنانية لتلبية نداء الوطن ساعة الحاجة” لا أن يرتبطوا بولائهم لغير لبنان.
وعن القضية الفلسطينية يذكّر الكاتب بأقوال السيد إنه سيحمي الثورة الفلسطينية بعمامته ومحرابه ومنبره “لكن الفلسطينيين وقفوا ضد حركتنا في الداخل فاختلفنا معهم احتجاجًا على التدخل في القرار اللبناني ومصير لبنان”.
ويتماهى المؤلف مع أقوال السيد موسى الصدر في أكثر من حادثة، لا سيما في الموقف من التحرر والمقاومة والثقافة والمجتمع.
وتنتهي سلسلة حوارات السيد موسى الصدر بشرخ واضح مع التمويهات المستجدة لأبناء الجنوب وتباعدهم عن القيم والمبادئ التي نادى بها في حياته.
فيقرر في ختام هذه السيرة المتخيّلة أن يعود طوعًا إلى الغيبة الكبرى ويهجر الأرض التي أحبّ بسبب تغيّر ناسها وطبائعهم.